السعي للقمة هو منهاج حياة لابد أن يُبنى كالحجارة ويرتقي بخطوات ثابتة ومدروسة لينجح في الوصول فالقمة لا تُمنح صدفة ولا تُنال بالتمنّي بل تُصنع بالصبر والإصرار والتخطيط المتقن فمن أراد بلوغها عليه أن يؤمن بأن الطريق إليها طويل وشاق وأن كل تعثر فيه هو درس جديد يقوّي العزيمة ويهذّب الروح. النجاح لا يكون لمن يركض مسرعًا دون وعي بل لمن يعرف أين يضع قدمه في كل خطوة ويسعى بوعيٍ لا يرهقه الزمن ولا تُضعفه العقبات فكل حجر في الطريق يمكن أن يكون عثرةً أو سلّمًا نحو الأعلى والفرق بين الاثنين هو نظرتك أنت إليها القمة لا تُسكن المتخاذلين بل تُرحّب فقط بمن آمن بأن الجهد الصادق لا يضيع وأن كل خطوة صغيرة نحو الأعلى تساوي إنجازًا كبيرًا في ميزان الحياة.
والنجاح ليس صدفةً تُصيب البعض وتحرم آخرين، بل هو بناءٌ متينٌ تُشيّده النفس لبنةً لبنة، وتقوم أعمدته على ثلاث دعائم لا غنى عنها: الإرادة، والصبر، والعمل.
الإرادة: هي الشرارة الأولى التي تُشعل الطريق، فهي ما يدفع الإنسان لأن ينهض من غيابات التردد والخوف. صاحب الإرادة لا ينتظر الظروف لتخدمه، بل يصنع ظروفه بيده. هي القوة الخفية التي تُحوّل "لا أستطيع" إلى "سأحاول"، و" سأحاول" إلى "لقد فعلت". بالإرادة تفتح مصاريع الأبواب، وتسهِّل الصعاب في رحلة تتطلب الصبر والإيمان ولاشك في أننا بها نصل إلى النجاح.
أما الصبر: فهو وقود المسير، فلا طريق نحو هدفٍ عظيم يخلو من العقبات والتحديات، ولا يثبت فيه إلا من تمرّس على الصبر الجميل. فالصبر ليس استسلامًا، بل وعيٌ عميق بأن الثمار لا تنضج في اليوم الأول، وأن الزمن حليف المجتهدين لا عدوّهم. إن الاستعجال في طلب النتائج لا يكون مرضيًا في الغالب، فالأعمال الناجحة تحتاج إلى صبرٍ ودراسةٍ متأنية لتحقيق أفضل النتائج، حتى لا يضيع الجهد سدى، ولا يُهدر التعب الذي بُذل في سبيل الهدف.
وكما قال الشاعر جبران خليل جبران:
"الصبر مرّ، لكنّ ثمرته حلوة."
يقول علماء الحيوان إن أنواعاً من صغار الطير عندما ينبت عليها الريش، تخرج بها أمهاتها من أعشاشها وترتفع بها في الفضاء، ثم تتركها تهوي لكي تسعى بنفسها لتعلم الطيران فتروح صغارها تضرب الهواء بأجنحتها حتى تتعب وتوشك أن ترتطم بالأرض، عندئذ تسرع إليها الأم وتفرش جناحها تحتها، فتجنبها الموت المحقق، وتعيد التجربة وتحلق بالفراخ، إلى أعلى وتطلقها فتضرب الفراخ بأجنحتها وتعلو وتهبط حتى تتعب فتنجدها أمها، ومرة أخرى تتكرر التجربة حتى تشتد أجنحة الفراخ وتتقن التحليق والطيران. فمن تجرّع مرارة الصبر، تذوّق في النهاية حلاوة النجاح.(١)
ثم تأتي اللّبنة الثالثة: العمل، فهو المعيار الحقيقي للنجاح، والاختبار الذي يُفرز بين من يكتفون بالأمنيات، ومن يسعون لتحقيقها بخطواتٍ ثابتة. كثيرون يملكون الإرادة، وبعضهم يتحلّى بالصبر، لكن القليل فقط من يحوّل الأحلام إلى أفعال، ويحوّل الأقوال إلى إنجازاتٍ ملموسة. فالعمل هو اليد التي تبني ما تخيّله العقل، وهو الجسر الذي يربط بين الفكرة وواقعها. لا نجاح بلا جهد، ولا ثمرة بلا سعي، فحتى البذرة الصغيرة لا تُثمر إلا إذا وجدت من يرويها ويعتني بها.
تأمّل في قصة توماس إديسون، الذي فشل آلاف المرات قبل أن يخترع المصباح الكهربائي، لكنه لم يرَ الفشل عائقًا بل خطوة في طريق النجاح. وانظر إلى الرسام فان غوخ، الذي لم يبع في حياته سوى لوحة واحدة، ومع ذلك لم يتوقف عن الرسم حتى خلّد اسمه في التاريخ. وكذلك الكاتب نجيب محفوظ، الذي كتب لعقود طويلة قبل أن يحصد جائزة نوبل، فكان عمله الدؤوب هو الذي مهّد له طريق الخلود الأدبي.
إن العمل هو جوهر التقدّم، ومفتاح كل إنجاز. فكلما كانت المواجهه مع الشدائد أكبر، كان أثرها في التربية والتكامل والصقل أعمق. فمن أراد أن يرى حلمه واقعًا، فليزرع جهده في كل يوم، وليتذكّر أن الأماني بلا عمل كالسفن بلا شراع، لا تبرح مكانها مهما كانت رياحها مواتية.
إنّ من جمع بين هذه الثلاث: إرادة تصنع البداية، صبرًا يصون المسيرة، وعملاً يُتمّ الغاية، فقد وضع أحجار الزاوية في بناء نجاحه، مهما كان الحلم بعيدًا، والطريق طويلاً.
اضافةتعليق
التعليقات