في عالمٍ يتسارع فيه التغيير، وتتبدّل فيه أولويات المجتمعات، بات من الضروري أن تكون أصوات الشباب جزءًا فاعلًا من الحوار العام ومراكز صنع القرار. فالشباب ليسوا مجرد مستقبلٍ بعيدٍ ينتظر التحقّق، بل هم حاضرٌ نابض بالقدرة على الإبداع، والجرأة على اقتراح البدائل، والالتزام بقضايا التنمية والعدالة والبيئة والمواطنة.
تقوم فكرة إشراك الشباب في عمليات وضع السياسات على مبدأ الشراكة لا التبعية، حيث يُنظر إليهم بوصفهم شركاء حقيقيين يمتلكون تجارب ومعارف نابعة من واقعهم الاجتماعي والاقتصادي، لا كفئةٍ تحتاج إلى التوجيه فحسب والانقياد الأعمى. ومن خلال هذه المشاركة، يصبح الشباب قادرين على التأثير في القرارات المتعلقة بالتعليم، وسوق العمل، والبيئة، والصحة، والتكنولوجيا، وغيرها من المجالات التي تشكّل ملامح حياتهم اليومية ومستقبلهم المهني والاجتماعي.
وعلى الشاب أن يبحث ويجتهد، فالقضية الحقيقية في التغيير تتعلق بالذات أولًا، وباستعداد الإنسان للنجاح والعمل الدؤوب من أجل تحقيق الهدف المطلوب. لذا ينبغي أن يتم ذلك بالطرائق الإنسانية المتفق عليها، أي من دون الإضرار بحقوق ومصالح الآخرين، خاصة إذا عرفنا أن النجاحات والخسائر لا تتعلق بذات الإنسان وحده، ولا ينبغي له أن يفرح أو يحزن كثيرًا بهذا الخصوص. علمًا أن الاستعداد للمشاركة الواعية في التغيير يبدأ من إصلاح الذات والاشتغال عليها، ليفهم الفرد أنه جزء من هذا الجمع البشري يؤثّر ويتأثّر به.
ونشهد أن الشباب يختلف مستوى فهمهم لمفهوم المشاركة في الإصلاح الجاد من ثلاث جوانب، ويتفاوت اهتمامهم من شخص إلى آخر. فمنهم من يترك التغيير وإصلاح المجتمع منوطًا بغيره، فيقف موقف المتفرّج، وإن كان مؤيدًا لفكرة التغيير. أما الآخر فقد يشارك من دون وعي، لمجرد أن يكون اسمه ضمن الحاضرين، وهذه المشاركة تؤثّر سلبًا على مرحلة التغيير، فيكون غيابه أرحم من حضوره. أما الشاب الواعي، الذي يكون له دور فاعل ومؤثّر وقادر على التغيير، فهو الشخص المدرك لمتغيرات الواقع على الأرض، وما يحتاجه مجتمعه، موضحًا ذلك في خطة عمل واضحة تخدم الإنسان والمجتمع بصورة عامة.
وكما هو معروف، في التركيبة النفسية للإنسان تتجذر طبائع فطرية قد تنطوي أحيانًا على نزعةٍ نحو الإضرار بحقوق الآخرين من أجل تحقيق المصالح الذاتية. وهذه الحقيقة تضع الإنسان أمام مسؤولية أخلاقية تفرض عليه مراجعة سلوكه، واعتماد المعايير الصحيحة للتغيير، المتمثّلة في التعاليم الدينية، والقيم الإنسانية، والأعراف الاجتماعية الإيجابية التي يوافق عليها الضمير الجمعي للمجتمع.
إن حبّ السلطة والجاه من الطباع المتأصلة في النفس البشرية، وهو ميلٌ لا يمكن إنكاره، لكنه في الوقت ذاته ليس قدرًا محتومًا. فالتغيير نحو الأفضل ممكنٌ متى ما توحّدت الجهود، وتحرّرت الإرادة من قيود المصلحة الشخصية، وعادت كفّة الروح الوطنية لتعلو على نوازع الأنانية والانقسام.
إن بناء مجتمعٍ متوازن لا يتحقق بالخطابات وحدها، بل بالفعل الصادق الذي يُقدّم المصلحة العامة على الرغبات الفردية، ويجعل من العدالة قيمةً مركزية في العلاقات الإنسانية. فحين يتخلّى الأفراد عن السعي وراء المكاسب الضيّقة، ويتبنّون رؤيةً تشاركية قوامها الإخلاص والمسؤولية، تتبدّل ملامح الواقع، ويصبح التغيير الحقيقي ممكنًا وملموسًا.
إن إصلاح النفوس هو أساس إصلاح الأوطان، وما لم يبدأ الإنسان بإصلاح ذاته وضبط ميوله، فلن تُثمر أي دعوةٍ للإصلاح الاجتماعي أو السياسي. فالوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بتزكية الضمائر وتفعيل قيم الانتماء والعمل الصالح.
وغالبًا ما تتشكّل شخصية الإنسان الناجح تحت تأثيره بشخصياتٍ تاريخيةٍ خالدة، يكون لسماتها ومواصفاتها حضورٌ قويّ وواضح في تكوينه. وعندما نبحث في سرّ النجاح الذي يتحقّق لهذا الإنسان أو غيره، ونحاول أن نستقصي الأسباب التي تقف وراء هذا التفرد، سواء في الفكر أو السلوك، فإننا نجد في سمة اللين واللطف واحترام الآخر مظاهر وجواهر أساسية لمثل هذه الشخصيات. ولذا، فإن الإنسان الذي يقتدي بشخصيةٍ خالدة، ويكون لتأثيرها وجودٌ بيّن في تشكيل شخصيته، لا ريب أنه سيحقق مبتغاه الذي يسعى إليه من خلال النجاح في حياته، وفق الاشتراطات التي تضع الحكمة والتعقّل والإيمان واحترام الذوات الأخرى في مقدمة المحددات للفكر والسلوك معًا.
وفي هذا المجال، نقرأ في الكتاب القيم الموسوم (بالعلم النافع) لمؤلفه المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي قوله:
«لو أردنا أن نبحث عن الإنسان الناجح والموفق في حياته، فلا ريب أننا سنجده في ذلك الذي اقتدى بالنبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته سلام الله عليهم، ولا غرور أن يكون أحسن الناجحين والموفقين في الحياة، وذلك لأن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) كان المثل الأعلى للإنسان في قوله وصمته وسرّه وجهره، وفي فعله وتركه، وفي كلّ أحواله، بل فاق وسما على كلّ الشخصيات في العالم منذ بدء الخلق وحتى انتهائه، بشهادة المؤمنين به وغيرهم».
تتخذ مشاركة الشباب أشكالًا متعددة، تبدأ من المشاركة في المجالس الطلابية والمنظمات الشبابية، وتمتد إلى المنتديات الوطنية والإقليمية التي تُناقش السياسات العامة، بل وتصل إلى إشراكهم في الهيئات الحكومية والبرلمانية كمستشارين أو ممثلين منتخبين. كما تتيح لهم التكنولوجيا اليوم فضاءاتٍ جديدة للتعبير والمبادرة، من خلال الحملات الرقمية والمنصات التفاعلية التي تربطهم بصنّاع القرار وتفتح أمامهم نوافذ للتأثير.
إن نجاح عملية إشراك الشباب لا يتحقّق بوجود القوانين أو البرامج الرسمية فقط، بل يحتاج إلى ثقافةٍ مؤسسية تؤمن بقدراتهم، وتمنحهم الثقة والمساحة للتجربة والخطأ. فحين يشعر الشاب أن صوته مسموع، وأن فكرته يمكن أن تتحوّل إلى سياسةٍ معتمدة أو مشروعٍ تنموي، فإنه ينخرط بجدٍّ ومسؤولية في خدمة مجتمعه.
إن بناء مستقبلٍ مستدام يبدأ بإيماننا بقدرة الجيل الجديد على المشاركة، لا كمستفيدين من السياسات فحسب، بل كصنّاعٍ لها. فتمكين الشباب في مراكز القرار هو الاستثمار الأذكى لأي دولةٍ تتطلّع إلى نهضةٍ متوازنةٍ ومجتمعٍ يشارك فيه الجميع في صنع الغد.








اضافةتعليق
التعليقات