ملاحظة: هذه المقالة لكل مقدمي رعاية لفئة المراهقين، إن لم تكن مقدم رعاية هذه المقالة ليست لك، لطفاً انتقل إلى مقالة أخرى.
هذه المقالة لا تشبه المقالات، وستخل بمعظم قواعد كتابتها، لذا إن كنت تحب قراءة مقالة مكتوبة بقواعد رصينة، لطفاً انتقل إلى مقالة أخرى.
ألتقي مئات الأشخاص الجدد سنوياً، وأحياناً ألتقي الآلاف بحكم عملي، وأغلبهم من الناشئة والشباب، وتصلني يومياً العديد من الاستشارات التي تدور معظمها عن العاطفة والحب والعلاقات، ونسبة هذا النوع من الاستشارات تتزايد في الوقت الحالي حتى من أفراد بعمر الرابعة عشر وأحياناً أصغر من ذلك.
وبناء على ما يردني من استشارات أستطيع أن أؤكد أن هناك نسبة جيدة من الفتيات والشباب يتم التلاعب بهم، والفتيات أكثر، ونحن بحاجة إلى وقفة حقيقية للتعامل مع الأمر بدل تجاهله بالكامل، مما يولد مشاكل أقل ما يمكن أن نصفها به "مدمِرة"، تصنع نفسيات ممسوخة غير قادرة على الحب ثانية، ولا الثقة بأحد، ولا صناعة مستقبل أفضل، يُحكَم على الشباب بالنهاية قبل البداية.
هناك ضرورة حقيقية لبناء حديث فعال بين الآباء وأبنائهم حول العاطفة، لأننا بتجاهلها لا يجعلها غير موجودة، ونحن إن لم نتحدث بها، ستقوم الأعمال الفنية بإخبارهم عن صور غير حقيقية ومشوهة عن الحب، وهم سيتلقفونها، لأن العاطفة في الإنسان أصل، وأبناؤنا ينشئون دون أن يتلقوا الحب الكافي، مكسوري الثقة بأنفسهم بسببنا، لا يشبون في كنف آباء تربطهم علاقة حب واحترام واضحة، لا أحد يخبرهم ما الحب ولا يرون علاقات سليمة حولهم، ألا تخبرني رجوتك من أين سيحصلون على معلومات حول العاطفة غير المسلسلات والإنترنت؟ وكيف بفهمهم المحدود سيعرفون أيها صحيحة وأيها خاطئة إذا أنت جعلت هذا الموضوع ممنوع الاقتراب منه كجمرة متوقدة؟
وحتى لو كنتَ قد أحطتهم بحب كثير وكبير، فالإعلام مليئ بما يجعلهم يرغبون بالوقوع في الحب الشاعري بشدة، ونحن نعلم يقيناً أن ما يروج له من حب وعلاقات هو ثقافة لإلهاء المجتمعات عن ما هو مهم بالإضافة إلى إخلال بالعقيدة (وسنتحدث عن ذلك في موضع آخر)، لكن الآن هو أمر واقع أن الشباب ميالون للحب كنوع من الهوس والتأثر بالثقافة السائدة بالإضافة إلى الميل الطبيعي الفطري الموجود داخل أي إنسان للجنس الآخر، ابنك أو ابنتك شباب ولديهم قلب وكذلك هرمونات متقلبة وقوية في هذا السن، وبغض النظر عن الأسباب نحن بحاجة للحديث معهم وتثقيفهم بكل الأحوال، منحناهم حباً أم لا، كانت علاقة الأبوين سليمة أم لا، لأنهم سيكبرون بعد سنة أو خمسة، وسيتعين عليهم اختيار شريك حياتهم والزواج، ثم نتفاجأ لمَ هم بهذا السوء في الاختيار والاستقرار في علاقتهم؟ لمَ لا يعرفون شيئاً عن التعامل مع الآخر؟ لمَ يتطلقون؟ لمَ يا ترى؟ لا أحد يعلم حقاً… لأن العاطفة والعلاقات نعم هي ضغطة زر، صحيح. أتفق.
ستقول لي نحن تزوجنا دون مشاكل رغم أننا لم نتثقف، لكنك نشأت في عائلة مستقرة مُحبة، ترى الاحترام والود والتقدير، حتى الأعمال الفنية كانت تؤكد على القيم السامية، وحتى مع هذا من قال أنها كانت علاقات دون مشاكل؟ العيادات النفسية ممتلئة بأشخاص يعانون بسبب أبويهم، لكنكم استطعتم الاستمرار بسبب الضغط الاجتماعي على الطرفين ووصمة العار التي تلحق المطلقين التي استعرناها من الثقافة المسيحية في وقت الحكم البريطاني في جملة أمور ثقافية أخرى استعرناها أيضاً.
وستقول لي وبم سنتحدث؟ نحن في أوقاتنا كنا نعرف شكل الشريك في يوم الزفاف، ومن اختاره لنا هم الآباء، هذه الأحاديث تدور عن أشياء لا نعرفها.
غالباً مررتَ بعاطفة أو اثنتين ولكن الذكرى بعيدة الآن، وحتى لو كان الأمر كما قلت، فأنت بكل الأحوال بحاجة للاطلاع على كتب ومقالات ومقاطع مرئية مثقِفة في هذا الخصوص، فشباب اليوم أكثر تعقيداً، وعالمهم أكثر تداخلاً، تتعدد طبقاته، وتكثر منعطفاته، لا يمكنك فهم اليوم بعقلية أمس، لأن الخمس سنوات الآن تحدث طفرة في السلوك واللغة والفكر والمشاعر، فلم تعد العشر سنوات لا تعني شيئاً كما كان في الماضي.
خصص وقتاً لفهم ما يجري بانفتاح عقلي وقلبي، ودون حدة، وبكثير من العطف والتفهم، حاول أن تمرن نفسك على الاستماع دون نقد أو عقوبات أو تخويف، فمن أشد ما يؤلم بحق أن مئات الطالبات يخبرنني أنهم يودون لو أنهم يستطيعون استشارة ذويهم، لكن الأهل سريعي الغضب، كثيري العقوبة، مما يجعل المشكلة تتفاقم، فتصلني الطالبة حاملة العديد من المشاكل التي يصعب حلها، والتي عادة أكتشفها أنا في أحوالها، لأنها لم تعتد أن تخبر أحد، ولا أن تطمئن لأحد… لدرجة إن إحدى الطالبات الرائعات هلعت حين عانقتها، ظنت أني أريد ضربها.15:43
وليس الفتيات فقط، الفتيان الجيدون أيضاً يقعون في شباك أشخاص متمرسين في الاستغلال ومنه استغلال مالي، معتقدين أن الكلام المعسول والسلوك العطوف حب.
أن تنكر الشيء لا يعني أنه غير موجود، وأن تحبس ابنك أو ابنتك أو تسحب منه الهاتف، وتسيطر عليه وتبرمجه كدمية لا تخطئ لا يعني أنك تربيه، التربية هو تمكين الفرد من استخدام عقله وعاطفته بطريقة سليمة ليتخذ قرارات تصب في صالحه وتحميه ويستطيع تحمل مسؤولية أفعاله وتصحيح أخطائه، الحبس والسيطرة تجعله أكثر هشاشة وأكثر عرضة للسقوط والتهشم.
ليس عيباً أن تتعلم، أن تحاول فهم نفسية الشاب الناشئ في 2024 وسط التحولات الرقمية المجنونة، والتحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية، والموجات الفكرية، والانفتاح التام، وانصهار الهوية.
كل العوائل معرضة لكل شيء، لا يوجد ابن أو ابنة لن يمسهم هذا أو ذاك، وليس الهلع حلاً، بل الاستعانة بالله والاتكال عليه، ومنح أولادنا الثقة للانخراط بالمجتمع وأنشطته المختلفة لئلا تشغلهم العاطفة وحدها وتكون هاجسهم الأكبر، وكما علينا التثقيف والتطوير المستمر للغة الحوار التي نخاطب بها أبناءنا، وحل آلامنا النفسية الخاصة، وذلك ليس عيباً فلا يخلو أحدنا من آلام وأعباء ثقيلة، وعلينا تركهم يعيشون أخطاء سنهم الطبيعية ومشاعرهم الطبيعية اليومية بلا كبت ولا سخرية، فالفتاة يجب أن تكون رقيقة، ليس عيباً أن تبكي، ليس خطأ أن تجرب كل شيء ما دام غير محرم، وكذلك الفتى، ولكن ما نتعامل معه بشكل يومي في العوائل أن عوائل حرمت أبناءها الضحك أو الهوايات أو التنزه أو التجمل والتزين في حدوده الشرعية وما إلى ذلك، فقط لأنها لا تحب ذلك أو أنها تعتقد أن المتدين لا يفعل ذلك.
نحن يا صديقي نجعل الحلال صعباً، ونحرم الكثير منه، وخلطنا الحابل بالنابل، حتى عاد الحرام قريباً يسيراً وصديقاً مقرباً حنوناً وأكثر فهماً لعصرهم.
الحب في أصله أمر إنساني طبيعي فطري، وإن كانت صوره المعاصرة ليست طبيعية ومشوهة وعليلة، وتخدم الأنظمة الاستهلاكية والاستعمارية التي تتعاضد لتحقيق أهدافها، أن لا نقبل ما هو طبيعي، أن نتعامل بتلك الحدة، أن لا نتحدث في الأمر ونوضح ما هو صحيح وخاطئ، وكيف على الأبناء التعامل مع الجنس الآخر، لا يأتي بأي نتيجة جيدة.
إن الانفصال التام الحاصل بين جيل الآباء والأبناء ذوي ثقافتين متضادة كلياً ليس في مصلحة أحد، وعلينا نحن كمقدمي رعاية أن نبذل الجهود لفهم الأولاد، فالفهم والاحتواء من الأعلى للأدنى، والأكبر للأصغر، والأكثر حكمة للأقل حكمة، وليس العكس… وما أكثر الأبناء الذين يتحملون طيش آبائهم وعدم نضوجهم ويراعوهم مراعاةً تشق عليهم لأن عمرهم ومعرفتهم محدودة وهم الأشد احتياجاً إلى ما يقدموه.
طريقتك ليست الطريقة الوحيدة الصحيحة، والتسامح والتدرج هي طريقة بناء جسور تنقذ أولادنا، كما كانت الرسالة المحمدية الهادية تدعو إلى الطريق القويم.
اضافةتعليق
التعليقات