انتشرت في الآونة الأخيرة مطبوعات الشعر الشعبي بمختلف الوسائل وصولا إلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الامر الذي يستدعي التوقف عندها خاصة لما نعانية من فقر نقدي في ساحة الشعر.. ولمعرفة المزيد وتقصي تلك الظاهرة استطلعنا نخبة من الشعراء والمثقفين للوقوف عند آرائهم حول هذا الموضوع..
تجربة شعرية
بدايتنا كانت مع اسماء حربي وهي من هواة الشعر الشعبي اذ بدأت بكتابته منذ سنوات حدثتنا قائلة: "تجربتي ليست بالطويلة فلم يمضي عليها سوى سنوات معدودة ولحد الآن هي في مرحلة تنامي مستمر وأعتبر نفسي مازلت في مستهل الطريق وما زال المشوار طويل لأصل إلى مستوى كبار الشعراء".
واضافت: "بدايتي كانت بسيطة في مرحلة الكلية على شكل خواطر وبفترات متباعدة ثم ابتعدت عن الكتابة الى أن دخلت أحدى المجاميع في مواقع التواصل الأجتماعي مما دفع بي الحماس الى معاودة الكتابة ما بين شعبي وفصيح ولكني عُرفت بالشعبي اكثر, وقد تنوع استقبال المتلقي لِما أكتب على أختلاف خلفياتهم الثقافية فمنهم منْ كان من الوسط ومنهم منْ كان متذوق, وقد كانت ارائهم داعمة ومشجعة, وبعضها كانت ناقدة بشكل موضوعي وناصحة اوموجهة وبكل الاحوال فقد أثروني إستفادة بما قدموه لي".
وتابعت: "ان إلهامي كان متنوع اذ توزعَ مابين وحي صوري وأقتباسات لعبارات أو أبيات شعرية تمر على ناظري فتعجبني, أو قصص واقعية لأشخاص معينة أو خيالات أفتراضية تراود مخيلتي مما أستوحيه من مواقف وأحداث".
ختمت حديثها: "أمنيتي ان تتبني جهة ثقافية معينة لِما أتناوله لإصدار ديوان يكون له قراء ومحبين لا ان يكون للدعاية وأكون جديرة بحمل صفة شاعرة".
من جانبه قال محمد إبراهيم طالب جامعي: "من الظواهر التي باتت تستشري وتشكل لها موقعا على ساحة العمل الثقافي بشكل عام والمنتج الأدبي بشكل خاص هي ظاهرة انتشار المجاميع الشعرية الشعبية في مختلف الوسائل والتي تحمل في ثناياها الجميل والسيئ, وكثيرا ما تستوقفني منشورات الشعر الشعبي سوى أن كانت ديوان أو على صفحات مواقع التواصل".
مضيفا: "ولأني من المتابعين كثيرا لهذا النوع من الشعر أجد اكتساح كبير لأسماء غير معروفة وهذا يثير حفيظة المتذوقين ان كان الشعر مبتذل, لذا ندعوا إلى الاهتمام بكتابة القصيدة مضمونا وشكلا من اجل هيبة الكلمة الشعبية التي تغازل الشفاه وتختزل الهم, ووقوف الناقد المتابع والقارئ لتفحص النتائج وجرهما بقوة للكتابة والوقوف على المناطق المضيئة على تطوير اضاءتها".
انتشار الشعر وغياب النقد
فيما قالت الشاعرة مسار الياسري: "ان الشعر بنوعيه من الشعبي والفصيح قد انتشر بشكل ملحوظ وكبير في الآونة الاخيرة، والاثنان عانا من غياب النقد لكن برغم ذلك يعتبر الشعر الشعبي احد الألوان المهمة في الشعر العربي وله تاريخ عريق حافل بأسماء لشعراء كبار امثال مظفر النواب وكاظم اسماعيل الگاطع وعريان السيد خلف وغيرهم، هؤلاء كتبوا باسلوب جزل.
ولغة رصينة اضافت للقصيدة الشعبية جمالا ورسمت له صورة بهية".
واضافت: "ولا يعتبر الشعر الشعبي غزوا ثقافيا بل هو إثراء للثقافة الشعبية ومدها بصور الجمال والتراث لاسيما وان مادته الاساس هي لغة الجنوب (الحسچة) التي تجسد لنا جمال الهور
وصوت الناي وبيوت الطين وبساطة الحياة فلا يعد الا جمالاً في حال كان شعرا حقيقيا يلتزم بقواعد الشعر ورصانة اللغة وجمال الصورة، وأيضا له رسالته وله محبوه".
وبما يخص أثر الشاعر وشعره في تاريخ الشعر قالت:"ان الشعراء نوعين منهم من ترك بصمته ومنهم من مضى دون ان يترك خلفه اثر ووضع في درج النسيان, وهذا يعتمد على ما يقدمه للمتلقي".
إبداع فطري
وكانت لنا وقفة مع الشاعر عودة ضاحي التميمي قال من خلالها: "ان الشعر الشعبي هو نتاج إبداعي فطري يصقل بالموهبة والثقافة, وهو قريب من الناس اذ يلامس مشاعرهم ويتحسس همومهم فنراه متواجدا في أفراح الناس البسطاء وأتراحهم وفي فترة الستينيات والسبعينيات ازدهر كما الفنون والاداب الأخرى بذلك الزمن المبدع الجميل, حتى أصبحت القصيدة الشعبية تزاحم القصيدة الفصيحة, ولقد تفتحت آفاق القصيدة الشعبية من خلال حدائق الشاعر الكبير مظفر النواب الذي اخرج الشعر الشعبي من دهاليز الذات إلى فضاءات الموضوع".
كما اضاف: "لقد كان الشاعر في السابق يلاقي صعوبة في نشر قصائده لسببين الاول قلة الصحف التي كانت تهتم بالشعر الشعبي وثانيا وجود صرامة من قبل المسؤولين عن صفحات الشعر الشعبي فلا تمر القصيدة للنشر الا من خلال جواز الإبداع, فثقافة مسؤول الصفحة ووعيه لا تسمح له نشر القصائد البائسة, وهناك النقاد الذين يتابعون ما ينشر وكانت أقلامهم لا تسمح لإنصاف الشعراء ان تتصدر قصائدهم الصفحات الادبية, لذلك كان الشعراء يحسبون الف حساب قبل ارسال قصائدهم للنشر او دواوينهم للطبع".
وتابع: "أما الان وبعد هذا الكم من الصحف والمجلات والفضائيات اصبح كل شيء مباح وكل شيء بالامكان نشره وتسميته بما يشاء ناشره ولعدم المتابعة من النقاد اختلط الحابل بالنابل وضاع المبدع الحقيقي بين هذا الحكم الهائل من الهراء".
وعن شعراء مواقع التواصل قال: "ان معظمهم لا ينتمون الى الابداع ولا الى الشعر لا من قريب او بعيد, فالكل لديهم جهاز والكل يريد ان يكون شاعرا, لقد كان الشاعر يعاني من صعوبة نشر ديوانه لان هناك لجان يجب ان يمر عليها الديوان لتجيزه قبل طبعه وان لم يكن فيه نسبة معينة من الإبداع لا تسمح بنشره حتى وان يطبع على حساب الشاعر نفسه, اما الان فأصبح طبع الديوان أسهل من طبع المستمسكات الشخصية".
عناصر التأثير
وشاركنا الأديب والصحفي سلام البناي قائلا: "يمتلك الشعر الشعبي العراقي عناصر التأثير في المجتمع لما للمفردة من قوة سحرية للجذب والتعايش مع الروح بحزنها وبفرحها بسخطها ورضاها، بعض شعراء الشعر الشعبي اليوم هم أصحاب مواقف ولهم اسهاماتهم في الحفاظ على الهوية الوطنية ورسم صور الجمال مثلما يعتبر الادب الشعبي بصورة عامة جزءا مهما من ثقافتنا وموروثنا وتراثنا وتاريخنا العريق وهي احدى وسائل البوح عبر اللهجة العامية التي تمتلك أدوات الدهشة والدلالات وتحفز الذائقة وتعبر عن حاجة الانسان باستثناء القصائد المتخمة بالابتذال والاسفاف والتي لا تمثل الشعر الشعبي الحقيقي، وهناك شعراء لهم نصوص جسدت المشاعر الانسانية عبر استخدام المفردات القريبة من الذوق العام والخاص حتى ان بعض شعراء الفصحى يضمنون بعض قصائدهم المفردة الشعبية لأهميتها في انتاج النص والتأثير في ذائقة المتلقي".
وبينّ: "ان الشاعر الشعبي المتمكن من أدواته والواضح في طرحه والذي يمتلك الأسلوب في التأثير على الاخر لا يمكن للذاكرة ان تستثنيه واليوم هناك أسماء محلقة في سماء الإبداع لهم إسهاماتهم في صناعة الحياة وبناء الإنسان وخلق ثقافة مجتمعية ايجابية".
كيفية معالجة هذه الظاهرة؟
وعن كيفية معالجة هذه الظاهرة حدثنا الاديب علي عبيد مستهلا حديثه:
"قد نكون أكثر دقة إذا قلنا أنّ الشعر الشعبي أصبح له حضور كبير، خصوصا بعد أن دخلنا عالم الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد صار أمرا سهلا وميسورا أن يوصل الشاعر الشعبي صوته بأسرع وقت وإلى أكبر عدد من المتلقين والمحبين للشعر الشعبي، بمعنى من أهم عوامل انتشار الشعر الشعبي هي شبكات التواصل الاجتماعي وسهولة النشر فيها بكل الأساليب (المرئية، والمقروءة، والصوتية)".
وأضاف: "ويعود انتشار الركيك منه إلى سببين أيضا، الأول سهولة الكتابة في هذا المجال، ووجود الجمهور المتلقي الذي يحب ويتفاعل مع هذا النوع من الشعر، لأن هناك نسبة سكانية كبيرة قد لا تفهم الشعر المكتوب باللغة الفصحى بأشكال الشعر (العمودي، الحر التفعيلة، وقصيدة النثر)، ولهذا لجأ الجمهور الأوسع إلى التفاعل مع الشعر الشعبي أكثر من الفصيح، وهكذا نجد ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء انتشار الشعر الشعبي اولها, سهولة النشر وسهولة الكتابة لهذا النوع من الشعر لأنه يُكتَب اللهجة الدارجة العاميّة, وايضا درجة وعي وثقافة الجمهور، فالنسبة الأكبر غير متعلمة ولا تستسيغ الشعر الفصيح".
وتابع قائلا: "هذه العوامل الثلاثة لها دور كبير في انتشار هذا النوع من الشعر، ويُضاف إليها عاملا آخر هو عدم وجود متابعة نقدية جادة لهذا الشعر، وقد ساعد ذلك على كتابة ونشر شعر شعبي رديء جدا، لأن المناخ العام صار يساعد على انتشار الشعر الشعبي".
مؤكدا: "على ضرورة معالجة هذه الظاهرة، وهنا يجب أن نعالج الأسباب التي أدت إليها، والتي تتمثل بإيجاد المتابعة النقدية الجادة التي تغربل الشعر الشعبي، وتفرز الصالح عن الطالح منه, ثم توجيه وسائل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية بعدم نشر الشعر الشعبي الركيك, بعدها القيام بحملات توعية للشعراء الشعبيين والجمهور أيضا بضرورة عدم نشر أو قراءة الشعر الضعيف في القنوات أو المهرجانات".
ختم حديثه: "لابد أن يعرف الجميع وخاصة الشعراء الشعبيين، بأن هذا النوع من الشعر مهم وفاعل ومؤثر وله قوانينه بخصوص الوزن والتفعيلة والمضمون، فقد أبدع شعراء العراق في هذا النوع من الشعر، ويكفي أن نذكر (مظفر النواب) لكي يفهم الجميع ما هي مكانة الشعر الشعبي الكبيرة والعريقة في العراق".
اضافةتعليق
التعليقات