لكل منا سجنه الخاص بناه داخل عظمات رأسه ، محكم الأبواب صلب الجدران، نؤدي فيه دور السجان والمسجون لسلب حرية أفكارنا او تقويضها.....
فتنتظر الفكرة لحين دراسة عواقبها جيدا وتحديد مدة عقوبتها، أماتخرج بعد إثبات براءتها أم تبقى حبيسة الجدران الأربعة؟، فمنها من نحكم عليها بالمؤبد وأخرى سنوات او أيام وهناك من يكون الإعدام مصيرها فور ولادتها، ومثلما تتنوع العقوبات تختلف مراحلهن العمريةفقد لا نسمح لبعضها بالتكلم والدفاع عن نفسها وتبيان حججها وكلما صرخت أغلقنا آذاننا عنها فتعبيرها يربك أرواحنا ويتعبها وأفضل الحلول لدينا إغلاق الأبواب عليها حتى تشيخ وتموت وراء القضبان ويجرفها تيار النسيان دون النظر بقضيتها والنطق بحكمها!.
ويبادرنا سؤالٌ للتوضيح وهو: إذا كان مفهوم السجن هو المكان المنعزل الذي يقيم في الشخص المذنب تنفيذا للعقوبة التي أصدرتها المحكمة لارتكابه انتهاكا او جريمة وهي تدابير احترازية هدفها إصلاح المذنب وتأهيله فما هي أهداف سجن الأفكار ولماذا نسجنها ومن هو المسؤول عن سجنها؟
والإجابة على هذا السؤال متشعبة وتحمل الكثير من المعاني والدلائل وتختلف من شخص لأخر فالبعض منا يسجن فكرته لحين تأهيلها اجتماعيا فهناك ظروف تتكفل للفكرة بالخروج بأمان وتحقيق غايتها المنشودة، او يبقيها حبيسة حتى يُحسن منظومته الأخلاقية وتطوره الفكري لطرحها بطريقة مقبولة وهي أفضل السجون وأكثرها حكمة وصبرا.
او يدفعه فقره المعرفي في الوصف والتعبير وقلة حيلته وضعف شخصيته في إظهارها وإثباتها وهي أكثر السجون مكابدة وتعلمنا على الاستسلام والتردد.
والخوف له الحصة الأكبر فحين تثبت مسؤوليتها في جر الجسد للعقوبات نحكم عليها بالمؤبد مهما كانت جلية وواضحة وضرورية لتغيير الواقع فالمعقول الذي نشأنا عليه وعرفه لنا المجتمع يقول سجن الفكرة خير بديل لسجن الجسد وهذه السجون تعوّد صاحبها على الخنوع والخضوع والازدواجية.
او حين تكون الفكرة هي ثمرة العقل الذي غاص في البحث وشكل محاكمة ناقدة لمسلمات متفق عليها من قبل الأغلبية ويعمل هذا السجن على طمر مفاتيح الآفاق الواسعة وناظور التوضيح البصري فهو سجن الحذر ثم الحذر ثم السكوت الى الأبد.
وكثيرا من الأوقات تكون مسجونة أذا لم يكن هناك آذان تسمعها وعقلا يستوعبها فما جدوى البوح والتعبير عنها بأي شكل من الأشكال أن كانت لا تفهم! وهو سجن الخيبة والعجز وموت الإرادة.
او خوفا من أن تفهم خطأ وهو سجن اليأس وقتل المحاولات، وغيرها من السجون الصغيرة في حجمها الكبيرة بعذابها يديرها أعتى واشد وأقسى السجانين الذين يلوحون لنا بعقوبات مشددة كلما حاولنا الهرب أو الدفاع عن أنفسنا.
اضافةتعليق
التعليقات