تزامن الارتفاع الملحوظ في معدلات تشخيص سرطان القولون والمستقيم لدى الشباب، خصوصًا في الولايات المتحدة، مع زيادة واضحة في الاعتماد على الأطعمة فائقة المعالجة، التي باتت تشكّل نحو 70% من الإمدادات الغذائية هناك، وما يقارب 60% من السعرات الحرارية المستهلكة يوميًا لدى البالغين. وقد ربطت دراسات متعددة هذا التحوّل الغذائي بتزايد خطر الإصابة بأنواع مختلفة من السرطانات، ومن بينها هذه السرطانات المبكرة.
وفي دراسة حديثة تُعدّ الأولى من نوعها، أشارت النتائج إلى ارتباط تناول الأطعمة فائقة المعالجة بارتفاع احتمال ظهور الأورام الغدية غير السرطانية في سن مبكرة، وهي سلائل قد تتطور لاحقًا إلى سرطان القولون والمستقيم. وتبيّن أن المشاركين الذين تناولوا نحو 10 حصص يوميًا من هذه الأطعمة كانوا أكثر عرضة بنسبة 45% للإصابة بتلك الزوائد عند بلوغهم الخمسين، مقارنة بمن لم يتجاوز استهلاكهم ثلاث حصص يوميًا.
تابعت الدراسة، المنشورة في مجلة JAMA Oncology، أكثر من 29 ألف ممرضة مدة متوسطة بلغت 13 عامًا. وأوضح الباحث الرئيسي، الدكتور أندرو تشان من معهد ماس جنرال بريبراكم للسرطان في بوسطن، أن الدراسة لا تثبت علاقة سببية مباشرة، لكنها تضيف دليلًا مهمًا على الدور المحتمل للنظام الغذائي في تطور هذه الحالات، داعيًا إلى دراسات أكثر عمقًا لتحديد الآليات الدقيقة والأطعمة الأكثر تأثيرًا.
من جانبه، شدّد الدكتور ديفيد كاتز، مؤسس مبادرة "ترو هيلث إنيشيتيف"، على ضرورة الحد من تناول الأطعمة فائقة المعالجة قدر الإمكان، وبناء النظام الغذائي على الأطعمة الكاملة الطبيعية، مثل الخضار والفاكهة والحبوب الكاملة والمكسرات والبقوليات، وهي أنماط غذائية لطالما ارتبطت بأفضل النتائج الصحية.
وأشارت تقارير صحية إلى أن قراءة الملصقات الغذائية، والانتباه إلى كمية الصوديوم، وملاحظة تأثير الطعام على الجسم، خطوات تساعد على تقليل الاعتماد على الأطعمة فائقة المعالجة، التي غالبًا ما تزيد الرغبة في تناول المزيد منها، في حين تمنح الأطعمة الكاملة شعورًا أكبر بالشبع.
وتوضح الطبيبة روبين مندلسون، المديرة المشاركة لمركز سرطانات القولون والجهاز الهضمي لدى الشباب في مركز ميموريال سلون كيترينغ، أن سلائل القولون غير السرطانية غالبًا لا تظهر أعراضًا، لكن في حال نموها قد تسبب آثارًا تستدعي التدخل الطبي، مثل البراز الدموي أو الداكن، آلام البطن، فقر الدم الناتج عن نقص الحديد، فقدان الوزن غير المتوقع، أو الإمساك نتيجة الانسداد. كما شدّدت على ضرورة بدء الفحوصات عند سن 45 عامًا، أو أبكر في حال وجود تاريخ عائلي.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة، تُعرَّف الأطعمة فائقة المعالجة بأنها منتجات مصنّعة باستخدام تقنيات صناعية ومكوّنات لا تُستخدم عادة في المنازل، وتميل إلى أن تكون منخفضة الألياف وغنية بالسكريات والدهون والصوديوم والإضافات الغذائية المصممة لجذب المستهلك وإطالة عمر المنتج. وقد شملت أنواع الأطعمة الأكثر استهلاكًا في الدراسة الخبز، وحبوب الإفطار فائقة المعالجة، والصلصات، والمشروبات المحلّاة بالسكر أو بالمحليات الصناعية.
ورغم أنّ الدراسة اعتمدت على استبيانات غذائية تعتمد على التذكّر، وهو ما قد يشكّل حدًا للموثوقية، يرى الباحثون أن خلفية المشاركات التمريضية قد تجعل بياناتهن أكثر دقة من المتوسط العام.
وأشار الدكتور جانش هالادي، من معهد السرطان بمستشفى تامبا العام، إلى أن طبيعة الأطعمة فائقة المعالجة تطوّرت بمرور الوقت، ما يجعل مقارنة تأثيراتها بين العقود أمرًا معقّدًا، لكنه لفت إلى أن الاعتماد الواسع على زيوت البذور الغنية بأوميغا-6 قد يكون أحد العوامل المؤثرة في زيادة مخاطر السرطان.
ويُرجّح أن يرتبط تأثير هذه الأطعمة على القولون بقدرتها على تغيير ميكروبيوم الأمعاء وإضعاف طبقة الحماية الطبيعية، ما قد يسبب التهابات مزمنة وإنتاج مركبات ضارة. كما يرتبط الاستهلاك العالي لها بالسمنة، التي تُعد عامل خطر رئيسيًا لسرطان القولون والمستقيم.
ورغم أن الدراسة لم تجب على ما إذا كانت السلائل المكتشفة قد تطورت لاحقًا إلى سرطان، فإنها قدّمت أدلة إضافية على أن نمط الغذاء الحديث—المشحون بالأطعمة فائقة المعالجة—قد يلعب دورًا لا يمكن تجاهله في صحة القولون والمستقيم.








اضافةتعليق
التعليقات