كشفت دراسات حديثة في علم الأعصاب وعلم النفس الجسدي أن الجسد يمتلك قدرة على “التذكّر” تسبق أحيانًا الذاكرة الواعية في الدماغ، وهو ما يفسّر استجابات جسدية مفاجئة لمواقف لم يدركها العقل بعد. هذا المفهوم، المعروف بـ“ذاكرة الجسد”، يشير إلى أن التجارب، خصوصًا العاطفية والصادمة، لا تُخزَّن في الدماغ فقط، بل تُسجَّل أيضًا في العضلات والجهاز العصبي اللاإرادي والهرمونات.
ويؤكد الباحثون أن الجسد يستجيب للمنبّهات عبر مسارات عصبية سريعة، مثل استجابة “الكرّ أو الفرّ”، قبل أن تتاح للدماغ فرصة تحليل الموقف منطقيًا. فعلى سبيل المثال، قد يشعر الإنسان بتسارع ضربات القلب أو توتّر العضلات عند سماع صوت أو شمّ رائحة معينة، دون أن يتذكّر بوضوح سبب هذا الشعور، بينما يكون الجسد قد استدعى تجربة سابقة مشابهة.
وتشير الأبحاث إلى أن الصدمات النفسية تترك بصمتها الجسدية لفترات طويلة، حتى بعد نسيان تفاصيلها الواعية. إذ يمكن أن تظهر على شكل آلام مزمنة، أو اضطرابات في النوم، أو ردود فعل جسدية غير مبررة ظاهريًا. ويعزو العلماء ذلك إلى أن الدماغ العاطفي، خاصة اللوزة الدماغية، يتواصل مباشرة مع الجسد ويخزّن الخبرات بطريقة حسّية لا لغوية.
وفي هذا السياق، بدأ الاهتمام يتزايد بالعلاجات التي تتعامل مع الجسد بوصفه جزءًا أساسيًا من الذاكرة، مثل العلاج الجسدي، واليوغا العلاجية، وتقنيات التنفّس الواعي، والتي تهدف إلى تحرير الذكريات المختزنة في الجسد قبل الوصول إلى مستوى الإدراك العقلي.
ويخلص المختصون إلى أن فهم كيفية تذكّر الجسد قبل الدماغ يفتح آفاقًا جديدة في علاج الاضطرابات النفسية، ويعيد تعريف الذاكرة باعتبارها تجربة متكاملة يشترك فيها الجسد والعقل معًا، لا مجرد عملية ذهنية.








اضافةتعليق
التعليقات