يلزم تنظيم أوقات الشباب بحيث تملأ الفراغات فيها بأسباب العلم والتقدم.. وذلك بمختلف المناهج السمعية والبصرية والأمور الثقافية أو الترفيهية.
قال الشاعر:
إن الفراغ والنزاع والجِدَة
مفسدةٌ للمرء أيّ مفسدة
أما{الفراغ}: فمن الواضح أن الإنسان بطبيعته يريد ملء فراغه، فإذا لم يملأ الفراغ بالمناهج الصحيحة ملأه بالمناهج الباطلة. وفي الحديث عنه {عليه السلام}: {أشد الناس حسابا: الصحيح الفارغ}، وعنه {عليه السلام}: {إن الله ليبغض العبد الفارغ}. وعنه عليه السلام {القلب الفارغ يبحث عن السوء}.
وأما {النزاع} فيُفسد الإنسان إن من يُنازع غيرهُ يجمع كل قواه في دفع ذلك الغير وتحطيمه إن أمكن، وكذلك الطرف الآخر، وهذا مما يوجب صرف الوقت والمال والدين والأخلاق وأحيانًا أكثر من ذلك فيما لايهم.
قال تعالى: {ولاتنازعوا فتفشلوا ويذهب ريحكم}.
من فلسفة النزاع
ولابأس هنا بالإشارة إلى أنهُ لابد للناس -عادة- من الإختلاف بعضهم مع بعض في كثير من الشؤون، لأن الله تعالى خلق البشر هكذا.. فكما هم يختلفون في الملبس والمأكل والمشرب والمنكح والمسكن والمركب وغير ذلك، كذلك هم يختلفون في الموازين الفكرية الكلية أو الجزئية وإن اشتركوا جميعًا في الإطار العام، من غير فرق في ذلك بين المسلمين وغير المسلمين، ومن هنا نشاهد إختلاف الأحزاب في الغرب إختلافًا كبيرًا في أمور صغيرة أو كبيرة وإن كان الإطار واحدًا، فمثلًا حزب يهتم بأمور الخارج، والآخر بأمور الداخل، وحزب يهتم بالصناعات الثقيلة، وغيره بالصناعات غير الثقيلة، وحزب يهتم بحقوق الإنسان، وحزب بالسلطة والمال.. وهكذا، فإن الناس فردًا وتجمعًا ينقسمون أشكالًا شتى وفقًا لما يرونهُ من الموازين والأفكار قال تعالى: {وجعلناكم شعوبًا وقبائل لِتعارفوا}. ولكن ذلك لا يعني النزاع والصراع، بل يمكن التفاهم في كثير من الأحيان..
الأسلوب السليم للمعارضة
ثم إن الأسلوب السليم للمعارضة هو أن لا يقف إنسان ضد إنسان لشخصه بما هو هو، أو ضد صاحب قرار بعينه.. لكن عليه أن يقف ضد الخطأ لتصحيحه أو الباطل لرده وذلك بأسلوب بعيد عن التشنج والعنف كإستعمال العبارات الإستفزازية والأساليب الإستعراضية والألفاظ الشرسة إلى غير ذلك مما نجده اليوم في كثير من البلاد التي تسمى بالعالم الثالث هذا مع فرض أن يكون الحق معه فكيف بما إذا لم يكن الحق معه؟.
كما يلزم التجنب من الأساليب الانتهازية العنيفة سواءً كان الغرض منها الوصول إلى هدف مادي أو هدف معنوي، فردي أو إجتماعي وحتى أمجاد عائلية أو ما أشبه ذلك.
وبما أن الأحزاب والتنظيمات كثيرًا مالا تقوم على برامج محددة صحيحة وأفكار مدروسة واضحة وصدق في التوجيه ونُبل في الهدف فتكون مبدأ كثير من المصادمات بين القيادة والقاعدة وربما اتسعت حتى صارت سببًا لأمثال الثورات والحروب وما أشبه ذلك.
وعلى هذا فاللازم أن تكون المعارضات معارضات سليمة وفي الإطار الصحيح فلا يضر بعد ذلك إختلاف الإجتهادات، فإنا نرى في فقهائنا الكرام- وهم من أنزه الناس- اختلافًا في بعض الموازين الشرعية والأحكام الفرعية التي لا ترتبط بالهوى من مال أو امرأة أو جاه أو ما أشبه، مثل اختلافهم في مقدار الماء الكر: هل هو ثلاثة في ثلاثة في ثلاثة، أو ثلاثة ونصف في ثلاثة ونصف في ثلاثة ونصف، وهكذا بالنسبة إلى كثير من المسائل الشرعية الفرعية المختلف فيها مما لا يخرج المعارضة الفقهية عن أسلوبها السليم، فيلزم أن تكون سائر المعارضات السياسية وغيرها هكذا... وقد تطرقنا إلى هذه المسألة بإعتبار ابتلاء الشباب بها عادة.
وأما {الجدة} التي هي الثروة فإذا لم يؤخذ بزمامها ولم يجعلها في طريقها الصحيح تكون مفسدة للإنسان، فإن المترفين هم الذين يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون ولذا كانوا يُعارضون الأنبياء {عليهم السلام} كما في آيات متعددة.
فالثروة والوجدان المُعبر عنه بالجدة، من أهم وسائل التقويم والتهديم، فهي كالسكاكين.. إذا كانت بيد صالحة استعملتها في ما يصلح من تقطيع اللحم لأجل الفقراء والمساكين ولأجل الضيافة أو ما أشبه ذلك.. أما إذا وقع في أيد ملوثة فهي تستعملها في القتل والجرح بالباطل وما أشبه ذلك..
وهذا شأن كثير من أمور الحياة كالشجاعة والكرم وما أشبه ذلك، فالشجاعة قد تكون تهورا وتدعيمًا للباطل، وقد تكون شجاعة نظيفة لأجل الحق، وهكذا الكرم قد يكون في غير محله مثل كرم الحكام بالنسبة إلى الشعراء الذين يمدحونهم بالباطل والذين يُعاقرون الخمر والفساد، وقد يكون كرم الأنبياء {عليهم السلام} حيث يضعون المال في موضعه.
وقد ورد في الحديث الشريف: {نعم العون على تقوى الله الغنى}.
فإنهُ بالمال يمكن أن يُبنى المسجد كما يمكن أن تملأ القيادة الراشدة فراغات الشباب بما يفيدهم دنيا وآخرة، ويُنقذهم من مختلف مشاكلهم وإلا فالضياع حتمي لهُم..
اضافةتعليق
التعليقات