قد اشتُقت الكلمة من اللغة اليونانية وتعني «الاستحواذ»، وكأن قوةً خفية تستحوذ على المصاب بالصرع وتتحكم في جسمه.
استوحى الناس خلال القرن الماضي ما يعرفونه عن نوبات الصرع في أكثر الأحيان من المشاهد في الأفلام والعروض التلفزيونية، التي عادةً ما تكون مزعجةً وغير دقيقة بالقدر ذاته، وفي حين أن تلك المشاهد الدرامية تعزز سرد القصص بصريًا، فإنها كثيرًا ما ترسخ وصمة العار المرتبطة بالمرض وتستخف بالطبيعة المعقدة لنوبات الصرع.
تُعَد نوبات الصرع في الواقع أكثر تنوعًا مما يُشاع عنها في الثقافة الشعبية؛ إذ إنها في أكثر الأحيان طفيفة وساكنة وغير ملحوظة.
يهتم اختصاصي علم الأعصاب جيكوب بيللينين بالرعاية الكاملة للأشخاص الذين يصابون بنوبات الصرع ويختص تحديدًا في علاج المصابين بالصرع من حيث تحديد أوجه القصور في الرعاية الطبية بهم والعمل على تحسينها، ويقول بيللينين أن البحوث أظهرت وجود الكثير منها.
وجد الباحثون أيضًا أنه خلال الفترة بين حدوث النوبات الأولى والتشخيص، عانى نصف المشاركين إصابات جسديةً؛ إذ تعرض 5% منهم إلى حوادث سيارات نتيجة نوبات الصرع. توصل الباحثون بعد تطبيق هذه البيانات على عامة الناس، إلى أن أكثر من 1800 من حوادث السيارات ترجع إلى نوبات الصرع الجزئية الطفيفة غير المشخصة، وأنه قد تُمنع هذه الحوادث عند التشخيص المبكر للمرض.
لا يضمن رصد نوبات الصرع دائمًا حصول المرضى على التشخيص أو العلاج المناسب، إذ سعى نحو ثلثي المرضى المشاركين في مشروع الصرع البشري إلى تقييم نوباتهم الأولية في أقسام الطوارئ، ولم يذهب قرابة 90% منهم إلى المستشفى إلا بعد حدوث النوبة التشنجية الأولى، بعد أن انتشرت نوبة الصرع وأصبحت تشمل الدماغ بأكمله، كان نصف المشاركين يعانون نوبات جزئيةً غير حركية قبل حدوث نوبة الصرع التشنجية الأولى، وقد أُهملَت تلك النوبات إلى حد كبير، ولذلك لم يُشخَّص أو يُعالَج العديد من الأشخاص المصابين بالصرع والذين كان من الممكن تشخيصهم وعلاجهم.
يسعى في الوقت الراهن قرابة 200,000 شخص بالغ في الولايات المتحدة سنويًا، إلى الحصول على تقييم طبي في أقسام الطوارئ في المستشفيات بعد نوبة الصرع الأولى في حياتهم، ويُشخَّصون بالصرع عندئذٍ أو بعد ذلك بفترة وجيزة.
يحمل الضعف في تمييز نوبات الصرع الطفيفة عواقب كبيرةً على الأشخاص والمجتمعات وأنظمة الرعاية الصحية، ويجب تحسين فهمنا للطرائق المتنوعة لنشوء النوبات، والتأثير الناجم عنها في حياة الأشخاص لسد الفجوة وتقليل العواقب.
سبب حدوث نوبات الصرع
تحدث نوبة الصرع نتيجة نشاط كهربائي مفاجئ وغير منضبط لدى مجموعة من الخلايا العصبية، ويرهق فرط النشاط هذا ميل الدماغ طبيعيًا إلى كبح الأنشطة العصبية غير الطبيعية، على المستويين الخلوي والشبكي.
لا تدل جميع النوبات الدماغية بالضرورة على الصرع؛ إذ قد تحدث أيضًا في الدماغ الطبيعي في أثناء الانسحاب الكحولي. وقد تحدث أنشطة مشابهة للنوبات عند الانخفاض الحاد في تدفق الدم، الذي قد يسبب أيضًا الإغماء.
تحدث نوبات الصرع تلقائيًّا دون محفزات ويصعب في أكثر الأحيان التنبؤ بها. قد يؤدي نطاق واسع من الاضطرابات الكامنة إلى نشوء نوبات الصرع، مثل الأورام الدماغية وحالات العدوى والجلطات والإصابات الدماغية الشديدة وحالات المناعة الذاتية والتشوهات الجنينية والقابلية الوراثية.
نوبات الصرع أكثر شيوعًا مما نظن
يصاب شخص بين كل 10 أشخاص تقريبًا بنوبة صرع خلال حياته، لكن لتُشخَّص إصابته بالصرع، ينبغي أن يكون قد تعرض إلى الإصابة بنوبات صرع متكررة دون تحفيز، وينطبق هذا على نسبة واحد بين كل 26 شخصًا تقريبًا.
قد يحدث تأخير ملحوظ في تشخيص نوبات الصرع وعلاجها نظرًا إلى التنوع الكبير في الأعراض، ما قد يؤدي إلى تفاقم النوبات مع مرور الوقت، وانخفاض جودة المعيشة وضعف الإدراك والإصابات الجسدية مثل حوادث السيارات، وأحيانًا الموت.
يقول بيللينين: «من المثير للسخرية أن الكثير من هذه المعاناة يمكن اجتنابها، فقد يتجنب معظم المصابون بالصرع النوبات عبر أخذ دواء رخيص الثمن».
نوبات الصرع الجزئية
تُعَد نوبات الصرع الجزئية النوع الأكثر شيوعًا لدى البالغين بصرف النظر عن السبب. تنشأ النوبات نتيجة فرط النشاط العصبي في منطقة دماغية محصورة. تسبب مثلًا النوبة الناشئة من القشرة الحركية اليسرى في الدماغ ارتجاف الذراع الأيمن، وتسبب النوبة الناشئة من القشرة البصرية رؤية ومضات ضوئية أو ظواهر بصرية غريبة أخرى.
تنشأ نوبات الصرع الجزئية في أكثر الحالات من أحد الفصين الصدغيين الموجودين على كل جانب من الدماغ. يؤدي هذان الفصان وظائف متعددةً، مثل المعالجة البصرية والصوتية والسمعية، إضافةً إلى دورهما في العاطفة والذاكرة. لذلك تؤدي النوبات الناشئة من هاتين المنطقتين إلى أعراض متنوعة وغير اعتيادية.
وتتضمن أحيانًا أحاسيس داخليةً غير مألوفة، مثل الشعور المفاجئ بالخوف الشديد أو إحساس مفاجئ بالديجافو (الإحساس برؤية مرتجعة) أو إدراك رائحة قوية فجأةً، لا تسبب هذه النوبات فقدان الوعي أو التشنجات إلا إذا انتشرت وتضمنت مناطق أكثر في الدماغ.
تميل نوبات الصرع غير المعالَجة إلى أن تصبح أكثر تواترًا وحدة مع مرور الوقت، لذلك من المألوف أن يبدأ الصرع بهذه النوبات الجزئية غير الملحوظة، ثم يأخذ في التفاقم عندما تنتشر النوبات وتصيب المزيد من نسيج الدماغ، حتى تتردى الحالة في نهاية المطاف إلى التشنجات.
التأخر في تشخيص نوبات الصرع
يقول بيللينين: «اشتكى أحد المرضى من الشعور بأعراض غريبة أكثر من عشرة سنوات، ولم يتحدث عن هذه الأعراض معي أو مع أي شخص آخر من قبل. وصف المريض أعراضه بشعور متكرر ومفاجئ بالنشوة، تفاقمت الأعراض بعدها إلى عجزه عن الكلام لدقيقة أو دقيقتين، وقد يظن الأشخاص المحيطون به في تلك الأثناء أنه يتأمل في الفضاء فقط. زادت وتيرة أعراضه على مر السنوات، إلى أن أصبحت في نهاية الأمر أكثر حدةً وبدأت تتسبب بفقدان الوعي».
«اختفت الأعراض بعد أن بدأ المريض اتباع نظام دوائي مضاد للصرع، وقد أبلغ عن تحسن ذاكرته وإدراكه بعد بدئه في العلاج. لم يعانِ أي إصابات جسدية قبل تقييمه، إلا أن العديد من الناس ليسوا محظوظين إلى هذه الدرجة».
تتبعت دراسة تقدمية دولية ضخمة تسمى ب«مشروع الصرع البشري»، نحو 500 شخص مشخصين حديثًا بالصرع الجزئي طوال خمس سنوات. كان جيكوب بيللينين أحد الباحثين الذين حلَّلوا بيانات الدراسة، ولاحظوا تأخرًا ملحوظًا في تشخيص العديد من المرضى المشاركين في الدراسة، فقد وجدوا أن العديد منهم أصيب بنوبات صرع عدة أشهر أو سنوات قبل التشخيص.
اضافةتعليق
التعليقات