تعيش اليوم معظم بلداننا العربية حالة من التوقف والتراجع، ولا نشهد لها أي تقدما على الصعيد الثقافي أو الاقتصادي بل وحتى السياسي، بينما الغرب يواصل إزدهاره ولا يهمه لو نقول عنه شيئا إيجابياً أو سلبياً أو نعلق على تطوره أو تأخره، لذلك فإنني أستنهض عن المكابرة ولنعرف أن أبواب الممكنات عند الغرب قد انفتحت من دون حدود وأن أبواب المحالات قد أغلقت أو تقلصت بينما نحن العرب مازلنا مأخوذين بمفاهيم وممارسات الاقتصاد الريعي وهو اقتصاد قد ولى إلى غير رجعة. لقد صارت قابليات الإنسان في اكتساب المعارف والمهارات في شتى المجالات هي أعظم الثروات فراحت الأمم والشعوب تتسابق نحو القمة مستثمرة هذه الثروة العظيمة المتجددة بينما نحن العرب مازلنا غير مقتنعين بنقطة البداية ولا مؤمنين بصحة الاتجاه فنحن نسير عكس اتجاه التاريخ المعاصر مما أبقانا خارج حلبة السباق العالمي فليس أعجز من أمة غير قادرة على الابتكار ابتداء وعاجزة عن التدارك وتقليد المزدهرين لاحقاً فأبواب الإزدهار ليست لأحد ولكنها مفتوحة لكل الأمم وآفاق النماء متاحة لجميع الشعوب وأداة هذا النماء هو الإنسان بتفكيره الحر وعواطفه الجياشة وبمعارفه النامية ومهاراته الدقيقة وإخلاصه الصادق ففتوحات الغرب ليست قصراً عليه وإنما هي متاحة لكل الأمم فاليابان أدركت قصور ثقافتها وتعرفت على أسباب إزدهار الغرب فعالجت قصورها الثقافي بسرعة وفاعلية ومن غير أي مكابرة أو خرج وتخلت عن الإنغلاق وأخذت بأسباب إزدهار الغرب من دون أن تفرط في شخصيتها اليابانية.
فلم تكابر ولم تتوهـم الكمال ولم تزعم الإكتفاء وإنما أعلنت بكل وضوح أنها كانت تفتقر إلى مقومات التطور وأن عليها أن تتعرف على هذه المقومات التي تميز بها الغرب وبذلك استطاعت أن تلحق به وأن تزاحمه وأن تقف أمامه نداً له وأن تسبقه في الكثير من المجالات!! فإعجابي بالغرب ليس على حساب الغير وإنما هو عكس ذلك تماماً فهو لحساب هذا الغير (الذي هو نحن) لئلا يظل عالة على منتجات غيره فهو الآن يستهلك ولا ينتج فمصلحة الغرب أن نبقى مستهلكين وغير منتجين لنظل سوقاً مفتوحاً لمنتجاته ما دمنا نملك المال الذي أغدقته علينا أرضنا من مخابئ البترول في باطن الأرض أما إذا نضب هذا المخزون فسوف نواجه الحقيقة الفاجعة فنجد أننا قد استنزفنا مخزون أرضنا وبنينا حياتنا على مصدر ناضب.
ولم توجد المصدر البديل أيام وفرة المال مع أن هذه الصحراء التي كانت خالية من الناس خلال الآن قد امتلأت بالمدن واكتظت بالسكان وتعاظمت فيها المسؤوليات والتكاليف فتوفير مياه الشرب وحده يحتاج إلى ميزانية ضخمة فكيف سيكون المصير بعد توقف عائدات النفط؟! فإظهار الإعجاب بالغرب ليس هدفه تبجيل الغرب أو تحقير الذات وإنما هو اعتراف بالحقيقة الناصعة وتحليل لأسباب الإزدهار وتعرية لعوامل التخلف أما الغرب ذاته فلا يهمه ماذا نقول عنه ولا يفيده أن نشيد به ولا يعنيه أن نعترف بتقدمه فهو ينتقد نفسه بأشد صور النقد ويرى أن التبجيل يخدر الأمم أما النقد فيحركها ويصنع فيها عوامل الفاعلية فهو لن يرحب بإعجابنا به بل من مصلحته أن نبقى في العمى ليبقى هو المنتج وهو المسيطر ونظل مجرد مستهلكين وسوقاً مفتوحة ونهمة وجائعة لبضائعه ومنتجاته.
فما أدعو إليه هو أن نتعرف على نقائصنا وندرك مزايا الآخرين وأن نتخلى عن أوهامنا وأن نعزي أسباب تخلفنا وأن نكتشف عوامل تقدمهم فنأخذ بها وأن نتجاوز هواننا وأن ننعتق من خطوط الدوران التي تمسك بنا وأن نعترف بقصورنا وأن نجتهد لنتجاوز هذا القصور كما فعلت اليابان والصين وغيرهما بل كما فعلت بلدان صغيرة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وأن نربأ بأنفسنا عن جحد الحقائق فلا نتعامى عن الزخم الهائل من روائع الإنجاز وأن تنصف الأمم التي حققت الإزدهار لنفسها فلم تتكتم ولم تحتكر وإنما أشركت العالم بنتائج هذا التقدم فصار العالم كله ينعم بمنجزاتها بل وقدمت له من المعارف ومهارات الأداء وأساليب توظيف الأموال والأعمال ما أتاح له أن يزاحمها في الانتاج ويقاسمها الأسواق.
إن نقد الذات الكليلة هو مفتاح تحريكها وتغييرها نحو الأفضل أما تمجيد النفس المتخلفة البليدة الراسخة في القيود فهو ترسيخ للتخلف وتأكيد للأصفاد وطمس لقابليات التألق، إن التخلف واقع مشين فينبغي أن نسخط عليه ونتخلص من أسبابه.
اضافةتعليق
التعليقات