لم يقتل الحسين بسيوفهم فحسب إنما قتله رؤيته لسقوط من يحب واحدا تلو الآخر، لقد رأى موت كل من أحب، موت علي الأكبر، علي الفتيّ، وُصِف علي بأنه روح الحسين، لم يلحق الحسين ابنه قبل موته، وصل إليه وقد فارقت روحه جسده، لم يستطع وداعه، قيل أنه تمدد بجانبه، تمدد قرب جسد ابنه، قال له "بني عليّ، على الدنيا بعدك العفا" ثم ضمه واحتضنه بيديه، قرّبه بشدة لصدره الشريف، ربما أراد لرائحة ابنه أن ترافقه، نحتفظ بشيء ممن نحب عند فقدانهم، ألا يحق للأب أن يحتفظ برائحة ابنه أو قد يكون شعر بأنه بذلك سيضمه إلى روحه، أنه سيطمأن روح صغيرهِ الشابة.
عند مجيء أطفالنا لهذا العالم نقطع وعداً بأننا لن نسمح لشيء أن يؤذيهم أبدا بوجودنا، تخيل الحسين كأب وهو يفقد ابنه بين يديه هكذا مليئا بالدماء، أو موت الرضيع بين كفيه، رضيعاً صغيراً شاهد دمائه تسيل على يديه، كأن روحه أرادت أن تؤخذ بين يدي أبيه مرفوعة للسماء، يدا أبيه هي السماء.
أو مشاهدته سقوط أصدقائه واحدا تلو الآخر، بكاء أهاليهم وصغارهم عليهم، هذا كله أخذ من قلب الحسين الكثير، قد يكون أخذ مالم تستطع أن تأخذه الرماح والنبال، أذكر اني قرأت مرة أن الحسين قال لإبن أخيه القاسم: "يعز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو أن يجيبك فلا يعينك". تخيل حزن الحسين وهو يفقد بقية أخيه، وهو يفقد ما قد شعر بأنه أمانته، كسرته وهو يفقد القاسم، عريس الشيعة القاسم.
ولنذهب لمشهد أخير عاشه كخاتمة لجراحه، مقتل أخيه، سنده العباس، على عكس الحسين لم يستطع العباس ضم الحسين إلى صدره، لم يملك ذراعين لفعل ذلك، لم يستطع ان يطفئ نار قلبه بوداع اخيه، بضمه لآخر مرة قبل الذهاب، فعل الحسين ذلك، اراهن أن الحسين قد بكى هنا بحرقة مع علمه أن اللقاء قريب، إلا إنه العباس، شعر هنا أنه وحيدا، قد فقد الجميع..
ها قد حان وقت رحيله هو أيضا، نظر في عينيّ أخيه للمرة الأخيرة، لم يستطع العباس أن يواجه نظرات أخيه، كأنه كان خجلا من موته، من تركه لأخيه، أعتقد أن زينب قد شعرت بغصتهما وإن لم تكن قربهما، شعرت بخجل العباس وبإنكسار الحسين، شعرت بقرب فقدانها الأخير هي أيضا.
لطالما آمنت بأن ما قبل الموت هو أصعب من الموت بكثير، وأثبت الحسين ذلك لي كما أثبت الكثير لغيري. رحم الله الإمام علياً وسيدتنا فاطمة إنهما لم يشاهدها حسينهما يخوض كل هذا وحيدا.
اضافةتعليق
التعليقات