الواحد والعشرون من شهر رمضان المبارك عام أربعين من الهجرة، ذكرى شهادة البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع، قائد الغر المحجلين وأسد الله الغالب وسيد الموحدين وإمام المتقين، أمير المؤمنين ويعسوبهم علي بن أبي طالب، عليه وعلى أولاده الأطهار وابن عمه الرسول المختار أفضل الصلاة والسلام..
هو أول من آمن برسالة النبي الأكرم ودعوته وأول من صلى معه، كما أنه لم يسجد للأصنام قط، وهو الذي افتدى الرسول بروحه إذ بات على فراشه يوم تأمرت القبائل لقتله، فالحديث عن الشهادة ليس بالأمر الهين ولا يمكن التعبير عنه بجمل منمقة وعبارات مزخرفة، بل إن الأمر يستلزم نوعاً من المشاركة الروحية للتواصل مع عظمة الموقف.
الرأس المطبور
حان وقت الأذان حتى توضأ أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل إلى الدار متوجهاً إلى المسجد فلما وصل إلى الباب وليفتحه تعلق الباب بمئزره حتى سقط فأخذه وشده وهو يقول:
اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا
ولاتجزع من الموت إذا حل بناديكا
ولا تغتر بالدهر وان كان يواتيكا
كما أضحكك الدهر كذلك الدهر يبكيكا
ثم قال: (اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لي في لقائك)
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة النبي (صلى الله عليه وأله وسلم) في فضل شهر رمضان حيث بكى الرسول (ص) فقال: يا علي أبكي لما يستحيل منك في هذا الشهر كأني بك وأنت تصلي إلى ربك وقد انبعث أشقى الأولين والأخرين عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك. (1).
فلما ضرب اللعين أمير المؤمنين (عليه السلام) ساجداً لله تعالى أرتجت الأرض وماجت البحار والسماوت واصطفقت أبواب الجامع فهبت ريح سوداء مظلمة ونادى جبرائل بين السماء والأرض بصوت سمعه كل مستيقظ: تهدمت والله العروة الوثق، قتل ابن عم المصطفى ، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل والله سيد الأوصياء.
الرحمة
بعد الجريمة الشنيعة تم القبض على ابن ملجم فساقوه للإمام وهو مكتوف وسيفه علق في عنقه، خاطبه أمير المؤمنين بصوت رأفة ورحمة ثم ألتفت عليه السلام إلى ولده الحسن (عليه السلام) وقال له: (إرفق يا ولدي بأسيرك وارحمه وأحسن إليه وأشفق عليه، ألا ترى إلى عينيه قد طارتا في أم رأسه، وقلبه يرجف خوفا ورعبا وفزعا).
فنرى هنا اجتماع الصفات المتضادة في أمير المؤمنين عليه السلام كما يقول الشاعر صفي الدين الحلي في مدحه عليه السلام:
جمعت في صفاتك الأضداد ولذا عزت لك الأنداد
حيث نرى اقتدار أمير المؤمنين عليه السلام ومظلوميته في نفس الوقت، فمن يتجرأ الوقوف أمام شجاعته العجيبة الحيدرية، ولكن وبهذه القدرة تراه الشخصية الأكثر مظلومية في تاريخ الإسلام، قدرة الإنسان ومظلوميته هما الشيئان لا يتفقان مع بعض، ولكن كان أمير المؤمنين عليه السلام مقتدراً وكان مظلوماً في نفس الوقت.
الوداع الأليم
ازداد ولوج السم في جسده الشريف وقد أغمى عليه ساعة وأفاق، فأدار في أهل بيته كلهم وقال: (أستودعكم الله جميعا سددكم الله جميعا، حفظكم الله جميعا، خليفتي عليكم الله وكفى بالله خليفة)، وعرق جبينه وهو يذكر الله كثيراً، ومازال يذكر الله كثيراً ويتشهد الشهادتين، ثم استقبل القبلة وأغمض عينيه ومد رجليه ويديه، ثم فاضت روحه الطاهره (عليه السلام)، فتهدمت والله أركان الهدى وانطمست أعلام التقى وانفصمت العروة الوثقى.
اضافةتعليق
التعليقات