يعتبر الأمل بشكل عام مفهوم إيجابي ومُحبَّذ، فهو حافز للمضي نحو المستقبل بهمّة لا تتعب، ويعيننا على تحقيق أحلامنا والتغلب على المصاعب التي قد تعترضنا في الطريق إليها.
لكن في بعض وجوهه قد يصبح نقمة مثلما كان نعمة في جوانب أخرى. فهو سيف ذو حدين وأنت فقط من يقرر أي حد تستخدم.
طول الأمل، هو المذموم هنا، وتحديداً إن كان متعلقاً بحب الدنيا وحطامها الزائل، والسؤال هنا، لماذا يعتبر طول الأمل شيء سلبي ينهانا عنه العقل السليم والدين الحنيف؟
يقول أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام:
"من جرى في عنان أمله، عثر بأجله".
حقيقة الموت، هي من تقف أمام طول الأمل، حقيقة تغيب عن ذهن الكثير رغم وضوحها وانتشارها الكبير.
فمن يطيل أمله سوف يقع في شرك الغفلة وسينسى الآخرة، الامام صلوات الله عليه شبّه طول الأمل بالجري السريع والاندفاع ومن ثم سيتعثر بالموت الذي لامفر منه.
لعل هذا المفهوم نستطيع تطبيقه في عدة مصاديق ومنها في الحياة الزوجية، والجانب التربوي فيجب في كل منهما وضع الادارة الصحيحة البعيدة عن محور الذات والأنانية.
وفي الجانب السياسي أيضا لو فكر كل حاكم بالموت لما طغى واستكبر، اقتصاديا ينطبق هذا القانون أيضاً، فمن يقصر الأمل سينفق أكثر وسيبتعد عن البخل، وكذلك دينياً سيسرع الانسان في قضاء الصلاة والصوم، وأخيرا الجانب الاجتماعي، لو أن كل فرد فكر باحتمالية الموت بأي لحظة فسوف يتسامح مع الآخرين وسيؤدي حقوق العباد.
في هذا الجانب نذكر قصة قيل أنّها حدثت مع الطاغية هارون حيث قال يوماً لخواصّه وندمائه: أرغب أن أزور شخصاً قد تشرّف بإدراك الرسول (صلّى الله عليه وآله) وسمع منه حديثاً، لينقل لي عنه بلا واسطة.
سعى رجال هارون وملازموه في العثور على شخص بهذه الأوصاف وفتّشوا الأطراف والأكناف، فلم يعثروا إلّا على رجل عجوز متداعٍ متهالك في غاية الضعف والوهن، لم يبقَ منه إلّا أنفاس تتردّد في كومة عظام بالية، فوضعوه في زنبيل وجاءوا به إلى بلاط هارون في غاية العناية وأدخلوه عليه فوراً، فسرّ هارون بذلك كثيراً، لأنه شاهد شخصاً أدرك رسول الله وسمع منه.
ثم قال له: أيّها العجوز! أرأيت النبي الأكرم؟ قال: بلى.
فقال هارون: متى رأيته؟
قال العجوز: أخذ أبي بيدي يوماً في طفولتي واصطحبني إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثم لم أدرك محضره حتّى رحل عن الدنيا.
قال هارون: أفسمعتَ من رسول الله شيئاً ذلك اليوم؟
أجاب: بلى! سمعتُ من رسول الله ذلك اليوم أنّه قال: يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَ تَشُبُّ مَعَهُ خِصْلَتَانِ: الْحِرْصُ وَطُولُ الأمَلِ، فسرّ هارون كثيراً بسماعه رواية على لسان رسول الله بوساطة واحدة فقط، وأمر فأعطوا العجوز كيساً من الذهب جائزةً له، ثم أخرج عنه. وحين أرادوا إخراج العجوز من البلاط رفع صوته في أنين واهن ضعيف قائلًا: ردّوني إلى هارون فلدي معه كلام.
قالوا: لا إمكان في ذلك.
قال: لابدّ من رجوعي إليه، فلديّ سؤال ينبغي أن أسأله منه ثم أخرج. وهكذا أعادوا الزنبيل وفيه العجوز إلى هارون، فقال: ما الأمر؟ قال العجوز: لديّ سؤال.
قال هارون: قُلْ. فقال: أيّها السلطان! أعطاؤك الذي تفضّلتَ به علي اليوم لهذه السنة فقط أم هو عطاء يتجدّد كلّ عام؟ فتعالت قهقهة هارون وقال متعجّباً:
صَدَقَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله)؛ يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَتَشُبُّ مَعَهُ خِصْلَتَانِ الْحِرْصُ وَطُولُ الأمَلِ.
إذن، فمن المهم أن يجاهد نفسه ويضبط جرعة الأمل الطويل والتمني الزائف لكيلا يفقد السيطرة على زمام نفسه الهائجة والراغبة كل شيء بلاحدود.
اضافةتعليق
التعليقات