تبالغ العناوين التي تتوقع قدرة الحواسيب على قراءة أفكارنا، ولكن من خلال تطوير هذه الحواسيب على معرفة ما نحاول أن نقول، يمكنها أن تمنح صوتا للأشخاص العاجزين عن الكلام.
في تقريرها بمجلة "وايرد" النسخة البريطانية، قالت الكاتبة نيكول كوبي إن جراح الأعصاب إدوارد تشانغ لا يمكنه قراءة أفكارك، وذلك في رد على ما يتداول بين الجمهور في كل مرة ينشر فيها مختبر عالم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا ورقة بحثية جديدة، حيث يعتقد دائما أنه تمكن من ابتكار "تكنولوجيا لقراءة العقل" أو أنه يستطيع "قراءة أفكارك".
وتتبع هذه العبارة الكثير من الأبحاث حول واجهات الدماغ الحاسوبية وتكنولوجيا فك رموز الكلام ولا عجب في ذلك، حيث تدعي الشركة الناشئة للتكنولوجيا العصبية "نيورالينك" التابعة لإيلون ماسك أنها ستتمكن في نهاية المطاف من اختراع "التخاطر التوافقي"، وهو تخاطر بين عقل الإنسان والآلة.
وفي حين قالت شركة فيسبوك -وهي إحدى الشركات الممولة لمختبر تشانغ- إنها ستتيح الفرصة للأشخاص لإرسال رسائل بمجرد التفكير في الكلمات، بدل النقر عليها في الهاتف، وهو مثال على واجهة الدماغ والحاسوب، إلا أن تشانغ لا يحاول قراءة العقول، بل فك رموز الكلام لدى الأشخاص العاجزين عن الكلام.
وعن هذا يقول تشانغ "نحن لا نتحدث عن قراءة أفكار شخص ما، ذلك أن كل ورقة بحثية أو مشروع قمنا به يركز على فهم العلوم الأساسية لكيفية تحكم الدماغ في قدرتنا على الكلام وفهم الكلام، ولا يتعلق الأمر بأفكارنا الداخلية". وقد تكون لمثل هذه الأبحاث تبعات أخلاقية هائلة، ولكن من غير الممكن حقا القيام بهذا الأمر في الوقت الحالي على أية حال.
التحدي الكبير أمام الحواسيب هو ترجمة إشارات الدماغ إلى كلمات وجمل تقرؤها الآلة بصوت عال (غيتي).
وفك رموز الكلام لا يعتبر أيضا أمرا سهلا، وتجدر الإشارة إلى أن أحدث بحث أجراه تشانغ ونشره في مجلة "نايتشر" العام الماضي كان يهدف إلى ترجمة إشارات الدماغ إلى كلمات وجمل تقرؤها الآلة بصوت عال، والغاية من ذلك هو مساعدة الأشخاص الذين يعانون من أمراض مثل التصلب الجانبي الضموري، وهو شكل من أشكال الأمراض التي تصيب الأعصاب الحركية في الدماغ والنخاع الشوكي.
وأوضح تشانغ أن "الورقة البحثية تصف القدرة على استخدام نشاط الدماغ لدى الأشخاص الذين يتحدثون بشكل طبيعي لإنشاء الصوت، وليس قراءة أفكار شخص ما. إن الأمر يقتصر فقط على مجرد قراءة الإشارات الناتجة عن الكلام".
وأكدت الكاتبة أن هذه التكنولوجيا نجحت إلى حد ما، وتقوم التجربة على وضع أقطاب كهربائية في أدمغة المرضى، ويجيبون على سؤال طرح عليهم. وتمكن نظام تشانغ من قراءة ما سمعه المرضى بنسبة 76% وما قالوه بنسبة 61%، من خلال تعقب نشاط القشرة الحركية في الدماغ لمعرفة كيفية عمله لتحريك الفم واللسان. ولكن هناك العديد من التحفظات حول هذا النظام.
في الواقع، كانت الإجابات مقتصرة على الانتقاء من مجموعة من الكلمات، مما جعل مهمة الخوارزمية أسهل قليلا بالإضافة إلى ذلك، كان المرضى في المستشفى يخضعون لفحوصات دماغية لمرض الصرع، وبالتالي يمكنهم التحدث بشكل طبيعي. وليس من الواضح كيف يمكن تطبيق هذه التكنولوجيا على شخص غير قادر على الكلام مطلقا.
وفي سياق متصل، أوضح تشانغ أن "هدفهم يتمثل في تطبيق هذه التكنولوجيا على أشخاص يعانون من الشلل"، مضيفا أن "التحدي الأكبر يتمثل في فهم شخص عاجز عن الكلام، وتدريب خوارزمية على القيام بذلك".
يجري مختبر تشانغ حاليًا تجربة سريرية تحاول التغلب على هذا "التحدي الهائل"، ولكن من غير الواضح حتى الآن كيف تتغير إشارات الكلام بالنسبة للأشخاص العاجزين عن الكلام، أو إذا كانت هناك حاجة لإجراء المزيد من الأبحاث على مناطق مختلفة من الدماغ. وفي هذا الخصوص، قال تشانغ إن "هناك قضايا جوهرية إلى حد ما يتعين علينا معالجتها فيما يتعلق بمعرفتنا العلمية.
يعتبر فك رموز هذه الإشارات أمرًا صعبًا جزئيًّا بسبب قلة فهمنا لكيفية عمل أدمغتنا. وفي حين يمكن تدريب الأنظمة بسهولة أكبر لتحريك المؤشر إلى اليسار أو اليمين، فإن الكلام يتسم بالتعقيد. وحسب ديفيد فاليرياني من مدرسة طب هارفرد فإن "التحديات الرئيسية تتمثل في مفردات اللغة الهائلة التي تعد السمة المميزة لهذه المهمة، ناهيك عن ضرورة توفر إشارات ذات جودة جيدة -التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التكنولوجيات التي تنطوي على إجراء العمليات الجراحية- هذا إلى جانب عدم فهم كيفية ترميز الكلام في الدماغ.
مع ذلك، أورد تشانغ أن جهود صناعة هذه التكنولوجيا، بما في ذلك شركتا نيورالينك وفيسبوك، لا تزال في غير محلها، نظرا لأن هذه الشركات تسعى لمعالجة مشاكل أخرى مختلفة؛ حيث تبحث هذه المشاريع في تقنية الزرع أو سماعة الرأس، وليست العلوم الأساسية المطلوبة لجعل ما تسمى قراءة العقل ممكنة.
وخلصت الكاتبة إلى أنه حتى ذلك الوقت، لن نتمكن من قراءة الكلام، أو الأفكار الباطنية في أي وقت قريب.
ومن جهتها، قالت فان ستينسل: حتى لو كنا قادرين على تمييز الكلمات التي يحاول شخص ما قولها، انطلاقا من إشارات الدماغ، فإن هذا لا يعني التوصل إلى قراءة العقل أو قراءة الأفكار.
واعتادت شركة أي. بي. إم أن تطلق توقعاتها في عالم التكنولوجيا بشكل سنوي، وقد حققت نتائج جيدة بالفعل إذا ما نظرنا إلى تنبؤاتها عام 2006، فقد تنبأت في ذلك العام بانتشار تكنولوجيا النانو وظهور الهواتف المحمولة القادرة على تحديد المواقع وانتشار أجهزة الترجمة الفورية، وتحققت هذه التنبؤات بالفعل بدرجة أو بأخرى بعد مرور خمس سنوات أي في عام 2011.
ويحذر كثيرون من أن الوصول إلى أفكار الناس ومزاجهم يمكن أن يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان. وربما تطلب الشركات من الموظفين ارتداء أجهزة تكشف عن نواياهم، وإذا أمكن الوصول إلى أفكارهم، فقد تستخدمها الشركات في التسويق لسلعها وخدماتها، أو ربما يعتمدها السياسيون أو الناشطون الذين يبحثون عن مساندين لتوجهاتهم.
وحاليا، يساعد برنامج الواجهة العصبية في إعادة تأهيل المرضى الذين عانوا من السكتات الدماغية والصرع والشلل ومشاكل الصحة العقلية.
اضافةتعليق
التعليقات