زاد الله تعالى الكعبة المشرّفة شرفًا وقداسةً بولادة سيد الأوصياء ولي الله وشهابه الثاقب ونوره العاقب سليل الأطايب، على أرضها المباركة الطاهرة، فازدانت وافتخرت كعبة الله بعلي أبي الحسنين دون الأراضي الأخرى، ولولاه لما كان لها من ذكرٍ يُذكر، فهو أطهر وأقدس من الكعبة بل هو قبلة القبلة.
وعلى أثر تلك الولادة المعجزة في جوف الكعبة الشريفة، وقعت عدة إرهاصات ودلالات غيبية، أبهرت العقول والألباب في مكة المكرمة ومن حولها من القبائل والقرى العربية، سيما بعد استضافتها لذلك المولود العظيم الطهر الطاهر ولوالدته الجليلة المبجلة الطاهرة المطهرة لثلاثة أيام بداخلها، بعد ما أغلقت عليهما الأبواب والجدران، فلا أحد يمكنه أن يدخل عليهما أو يخرج أو يشاركهما في ذلك الحدث السماوي الكبير الذي حدث في داخل الكعبة، وبعد شغف وطول انتظار من أبيه أبي طالب "سيد البطحاء" وبعض من بني هاشم، وبإعجاز ودون تدخل من أحد انفتح جدار من الكعبة، خرجت منه سيدة موقرة مكرمة اسمها أم علي فاطمة بنت أسد في ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، وقبل الجهر بالبعثة والإسلام. وهي حاملة بين يديها مولودها المعجزة علي يعسوب الدين وإمام المتقين والآية العظمى صلوات الله وسلامه عليه وعلى أبيه وأمه، حاضنة بين ثناياها أعظم بشرى وبشارة لقومها وللعالم أجمع وهي تقول: (معاشر الناس إن الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي.. من نساء العالمين لأني ولدتُ في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأرزاقها، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه عليًا فأنا العلي الأعلى وإني خلقته من قدرتي وعز جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وهو أول من يؤذن فوق بيتي ويكسر الأصنام..) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 35 – ص37.
وأجمل وأبلغ ما رواه رسول الله عن ولادة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وعلى آلهما قال (.. وقد نزل علي جبرئيل عند ولادة ابن عمي علي وقال: يا محمد ربك يقرئك السلام، ويقول لك: الآن ظهرت نبوتك، وإعلان وحيك، وكشف رسالتك، إذ أيدك [الله] بأخيك ووزيرك وخليفتك من بعدك، والذي أشدد به أزرك، واعلن به ذكرك، علي أخيك وابن عمك فقم إليه واستقبله بيدك اليمني فإنه من أصحاب اليمين وشيعته الغرّ المحجلين. قال: فقمت فوجدت أمي بعد أمي بين النساء والقوابل من حولها وإذا بسجاف وقد ضربه جبرئيل بيني وبين النساء فإذا هي قد وضعته فاستقبلته. قال: ففعلت ما أمرني به جبرئيل، ومددت يدي اليمني نحو أمه، فإذا بعلي قد أقبل على يدي واضعا يده اليمنى في إذنه يؤذن ويقيم بالحنفية، ويشهد بالوحدانية لله، ولي بالرسالة، ثم أنثنى إلي وقال: السلام عليك يا رسول الله، [فقلت له:] اقرأ يا أخي، فوالدي نفسي بيده قد ابتدئ بالصحف التي أنزلها الله على آدم، وأقام بها ابنه (شيث)، فتلاها من أولها إلى آخرها، حتى لو حضر آدم لأقر له أنه أحفظ لها منه، ثم تلا صحف نوح، ثم صحف إبراهيم، ثم قرأ التوراة حتى لو حضر موسى لشهد له أنه أحفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل (عيسى) حتى لو حضر [عيسى] لأقر له أنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القران الذي أنزل [الله] علي من أوله إلى آخره.
ثم خاطبني وخاطبته بما تخاطب [به] الأنبياء، ثم عاد إلى (حال) طفوليته، وهكذا أحد عشر إمامًا من نسله يفعل في ولادته مثل ما فعل الأنبياء، فما يحزنكم وما عليكم من قول أهل الشرك، فيا لله هل تعلمون أني أفضل الأنبياء، وأن وصيي أفضل الوصيين..). نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج 2.
بقي سر هذه الآية العظمى مكتنزًا ومحفوظًا وظاهرًا على ركن وجدار الكعبة المسمى "بالمستجار" حتى يومنا هذا، وسيبقى إلى اليوم الموعود ينطق بحقيقة وعظمة ومعجزة حديث ذلك المولود الطهر الطاهر، رغم تضافر وتآلب الجهود طوال التاريخ من خصماء أمير المؤمنين علي صلوات الله وسلامه عليه على توهين وإنكار وإبعاد ومحو تلك الآية وتلك المعجزة وفضيلتها عن صاحبها المعظم، إلّا انهم خابوا ولم يفلحوا *(وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ)* 15 إبراهيم.
فيا ترى هل مِن علاقة بين علي أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه والكعبة وقبلتها؟
نعم، علي هو قبلة القبلة وكعبة القلب التي هي أعظم من كعبة البدن، وبما أنه لا يمكن أن تقبل صلاة أو حج أو طواف أو دفن ميت أو أو ... إلا باتجاهٍ نحو القبلة كما شرعه الله تعالى في سنن وفرائض المسلمين.. وبما أن عليًا ولد في الكعبة ولم يولد غيره فيها، فإذن علي هو قبلة القبلة الحقيقة، وبدونه وبدون التوجه إليه والتمسك بولايته والبراءة من عدوه لا تقبل جميع الأعمال، بل تصبح خاويةً وهباءً منثورا *{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} 55 المائدة.
"يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة حبيبك حبيبي وعدوك عدوي وعدوي عدو الله والويل لمن أبغضك بعدي يا علي". المستدرك - الحاكم النيسابوري - ج 3- الصفحة 128
اضافةتعليق
التعليقات