كان ولازال العراق يعيش أياما صعبة تحت ظل حكومات لم توفر حياة كريمة لمواطنيها، فتميز ساستها بالإختلاس ونهب المال العام على مدار السنوات الماضية، وعلى الرغم من سوء الوضع المعيشي وكثرة المآسي الحاصلة في البلد إلاّ أن ضمائرهم لم يحركها أنين طفل مريض في مستشفى حكومي يرثى له ولا صرخة أم على ابنها الذي فقدته في الإنفجار عندما خرج ليشتري قميصا للعيد ولم يعد!
فكل من استلم الحكم إنشغل بغرف ما يمكن غرفه، وترك ابن البلد يتضور جوعا، ونسي بأن لا الانسانية ولا الدين يتفقان مع ما يفعله الساسة اليوم!
ولأننا نعيش في بلد يحتضن أنموذج عبقري استطاع أن يخلق دولة متكاملة من كل النواحي وبالأخص السياسية الخالية تماما من الفقراء والمعتازين، وتمكن من تحقيق العدالة الإجتماعية وبناء هيكلية سياسية كاملة لدولته التي استطاع من خلالها السيطرة التامة على السرقة ونهب المال العام وانهاء الظلم والتعامل الحاد مع الخارجين عن القانون بالحدود التي أقرها الله...
إذ لم يبقى فقيرا واحدا في الزمن الذي كان يحكم فيه علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، فقد تمكن بإدارته الصالحة والحكيمة وضع استراتيجية تحقق الثروة وتنهي العوز والتقشف.
ومن الأمور التي تميزت بها طريقة حكم الامام علي (عليه السلام) في الإدارة والتي لو أخذها الساسة بعين الاعتبار لانقلب الوضع من حال إلى حال هي:
تطهير الدولة من المختلسين والمفسدين والأرذال:
إذ كانت الدولة مثل غيرها مليئة بالأرذال الذين كانوا سببا رئيسيا في تفشي الفساد في أركان الدولة ونهب المال العام والتصرف بملك غير ملكهم، فاتخذ المولى أول خطوة وانتزع جذور الفساد من أرض الحكومة.
تعيين أشخاص مخلصين وكفوئين في مراكز الدولة:
بعد إزاحة المفسدين كان لابد من إيجاد البديل المناسب الذي يخاف الله ويعرف الشؤون السياسية وإدارة الموقع الذي يضعه فيه الامام، وقد اختار أشخاص مناسبين ووضعهم في الأماكن المناسبة مثلما ولى مالك الأشتر ولاية مصر.
متابعة العاملين في أجهزة الدولة:
لم يكتفِ الإمام بتعيين المخلصين في دولته، إنما بقي على متابعة مستمرة معهم وكان فورا يصدر أمرا عاجلا بإزاحة أي شخص يصدر منه سوء تصرف مع المواطنين أو يشهد له بالفساد والخيانة، يقول صلوات الله عليه: "أتيتكم بجلبابي هذا وثوبي فإن خرجت بغيرهن فأنا خائن"، "فو الله ماكنزت من دنياكم تبرا، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا، ولا حزت من أرضها شبرا، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبره".
الإدارة الصالحة:
لقد كانت سياسته الشريفة إمتدادا واضحا وصريحا لسياسة الرسول الأعظم من محاربة الظلم والفساد إلى إنعاش الوضع الاقتصادي وإنتاج الثروة وتوزيعها بصورة عادلة على الناس، بالإضافة إلى الأمن الذي شهد في عصر خلافته والحرية والمساواة التي تمتع بها حتى الخوارج.
نكران الذات:
لقد عاش المولى حياته ناكرا لذاته الدنيوية ممتلئا بالإيثار منذ بعثة الرسول وتزاحم المنافقين والجاهلين عليه وحتى استلامه للخلافة وتوليه أمور المسلمين إلى آخر اللحظات من استشهاده إذ إن كل ما كان يفعله لوجه الدين ومن باب المسؤولية تجاه الله سبحانه تعالى ولم يجعل لنفسه وأهله شيئا أمام الدين، وحتى هو أميرا للمؤمنين وخليفة الأمة كان فقير المظهر وبسيط المأكل وقائما لحدود الله على الظالم حتى وإن كان من أهل بيته!.
وكان حريصا بنشر تعاليم ومبادئ الإسلام من خلال المحاضرات التي كان يلقيها في المسجد، طالبا من الناس أن تسأله في أي شيء يجهلونه، (سلوني قبل أن تفقدوني) وكان حريصا بأن يوضح للناس حقيقة هذه الدنيا الفانية والزائلة وبأن لا مفر من حكم الله يوم يقف الناس على الصراط يُسألون عن الصغيرة قبل الكبيرة، وهل راعوا حقوق الناس؟ وأقاموا حدود الله؟ وكانوا عادلين في القسط؟ وهل ساروا على النهج الذي عمل به النبي محمد (صل الله عليه وآله وسلم) وسبطه المنتجب؟، بالنهاية كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..
فهل حضر ساسة العراق الجواب المناسب على هذه الأسئلة التي سيطرحها الله عليهم فيما بعد؟
اضافةتعليق
التعليقات