تعتمد الخطى الثابتة عند مسير الهدف إلى خطة ودلالات لتبدأ مسيرة الزحف نحو المباركة ويقين الغد المرضي ..
وكما تحدد لنا البصيرة، مدرجا يستوعب حتى صخب الرؤية، وصحبة الفكرة الفاعلة عند قراءة أي سلسلة خلاقة تحت ظل الابداع وتألق حلقة الاسم والفعل لتكون وقود الانطلاق عملا وقولا.
في شهر رمضان المبارك، تستوقف العظمة رجالات الفكر لتحدد لنا ماهية التعبد وأسبابها وسبلها لخلق ذلك الكادر العابد والملازم لحرف السجود وبمختلف الصور الممدوحة وفرض شخص ذات قاعدة مضنية ، تحث على الوثوق بطابع التدين الثقافي وبصيغة القدرة على أداء الفروض وممارسة كل مستحب لأجل السمو نحو مدارج الكمال ، كما هي عبادة الوصي ولنا في سيرته القدوة المباركة، فلا ثوب يليق بنا إلا ثوب علي وأولاد علي في مجمل عبادته لنحظى بأستغاثة ممهورة بمباركته.
ولذا لما سئل الإمام علي: هل رأيت ربك؟
فقال: (ما كنت أعبد ربا لم أره، ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان)...
هكذا كان علي يعبد الله... وفق ضابطة الوعي والإدراك بحقيقة الوجود وميزان الايمان المعنون بالحرية التامة والإخلاص لله سبحانه .
عن أبي الدرداء قال :
«شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممن يليه، واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته، وبعد عن مكانه، فقلت الحق بمنزله فإذا أنا بصوت حزين ونغم شجي، وهو يقول:
«آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها، وأنت محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لاتنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته ولا يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء».
ثم قال «آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من لهبات لظى».
قال أبو الدرداء: ثم أمعن في البكاء، فلم أسمع له حسا، ولا حركة.
فقلت:غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته، فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو.
فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون مات والله علي بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم.
فقالت فاطمة (عليها السلام): يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصته؟
فأخبرتها الخبر.
فقالت: «هي والله – يا أبا الدرداء – الغشية التي تأخذه من خشية الله»
ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق، ونظر إلي وأنا أبكي فقال: مما بكاؤك يا أبا الدرداء؟
فقلت: مما أراه تنزله بنفسك.
فقال: يا أبا الدرداء، فكيف لو رأيتني، ودعى بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ، فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء ورفضني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية».
قلب قد ذاب بحب العرش ومن حوله ، والتزم بقافية الذكر والتسبيح والتسامح فكان هو الخلق العظيم أحاط الناس بأمير المؤمنين عليه السلام وهو في محرابه يشد الضربة ويأخذ التراب ويضعه عليها، ثم تلا قوله تعالى: " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى " ثم قال عليه السلام: جاء أمر الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله .
العبادة وعاقبة الاقتداء
العبادة تحتاج إلى الاقتدار الروحي والاستعداد النفسي لأستمرارية التجرد من مادة الفوضى ، وترك المهم لأجل الأهم ، والتزام ديناميكية ، وشيفرة الطاقة الدافعة لعمل الخير في كل لحظة وعلى مسير شهرا كاملا.
في العبادة ذكرا ، وفي الكتاب خطوط حمراء ترفض معادلة النقيض ، البيت واحد ، والله هو الاحد ، وهو الصمد على كل ند ، فلم تلد فكرة وعقائد الا وقد هدمت صوامع الكفر واخبار الشرك به.
قال الراوي : فلما سمع الناس الضجة ثار إليه كلُّ من كان في المسجد ، وصاروا يدورون ولا يدرون أين يذهبون من شدة الصدمة والدهشة ، ثم أحاطوا بأمير المؤمنين عليه السلام وهو يشد رأسه بمئزره ، والدم يجري على وجهه ولحيته ، وقد خضبت بدمائه وهو يقول : هذا ما وعد الله ورسوله، وصدق الله ورسوله .
هكذا هو الموقف إزاء الرضا بقضاء الله وقدره تجاه البليات ، ونحن بأشد حاجة إلى البقاء لمناشدة المبدأ وكسر حاجز الذنب والعودة إلى ضمير التعبد المطلق والأخذ بأقوال الولاية لتطبيق العهد والالتزام به.
في شهر رمضان ، تتجدد محافل العبادة ، وتتسابق الايادي الفخورة بالعطاء لتجسيد الاحسان ، وجملة الصدقة المحببة على كل صعيد قربا وحبا وطاعة لرب أزلي سرمدي ونمو السماحة وكفاح المجد في النفس لتجد طريقها راكعة في حضرة الوسيلة ، الولي الوصي علي بن ابي طالب عليه صلوات الله وملائكته ورسله وانبياءه اجمعين .
في زمن الطبرة وخلود الدم الطاهرة ، اكتحل الفيض الولائي ، وارتوت السجدة من عبق صرخته وصبره وتغافل السيف المعادي حتى جرح العبادة وشق عليها نفس التسبيح ظنا منه أن الغيث قد انقطع ، والفيض قد رقد دار السلام ولا من شفيع ..
كان المهد مضمخ بالافكار ، وعلوم الغد موطنها صدر الترتيل وغيب الرواية قد رسمت لنفسها بيتا من عقيق ، إنها الكرامة أيها السادة ، أن تبكي الفوارق على مبدأ العقيدة عند فقد الوتد ومتانة اللوح المحفوظ.
العصمة بحر من جداول أمة ، ابتدأت من خلق آدم وحتى غيب الحاضر عند مفترق الوقت والانتظار ..
أركان الهدى تبكي على قائدها ، وقد انفطر جدارها حزنا على صارخة الوعد والوعيد ..
أسألوني قبل أن تفقدوني ، وقد فقدت الأنامل قدرة التعليق على حسرة الرجوع الى الوراء لتعيد لنا زمن السؤال وحب اللقاء ، وتذوق طعم الرحيق..
أليس في هذه الأمة جيل يعيد المجد في أحضان القوة ونفوذ الصبر كلمة الخلود ؟!
المجرم في قفص الاتهام..
اختصرت العبادة حروفها في استشهاد علي بن ابي طالب وكتبت على نفسها الحزن الأبدي ، فكان في رحيله ولادة عهد مضمخ بالعداء والجرأة والتشكيك في بيت الوحي، فتجمع قول السيف على محاباة الدناءة، والسعي لدق طبول الفرحة وعزيمة البهجة عند بعض أزواج النبي وإعلان انتصارهم وتمزيق عباءة التوحيد ألا لعنة الله على حبتر وابنته وثوبها الأحمر الملطخ بالغدر والخيانة .
ابتدأ الكتاب وكان اسم علي أول العبادة ، وخصص له فصل الوثاقة بحبله ، ليبقى الدين متينا عتيد ، لايقبل الإلحاد ولا يجهر بالفسوق وقد كبل الشيطان فيه ليبقى الدين نقيا فريدا ..
الشيطان اللعين هنا متهم بالقتل ، ومبيته مسجد الوحي أكبر دليل وأوضح شاهد وقد اعتصم بذيل الخيبة وألزم على نفسه الحجة وأجهز على حمل الحديد وقتل العبادة في بيتها والدم في الشيب الخصيب.
ألا لعنة الله على كل ظالم معتد أثيم ، يجاهر بولاية الجبت والطاغوت .
قصة العبادة لم ولن تنتهي ، بل امتدت، وصمدت بوجه الطاغوت، حتى أنها جمعت عبادة الوصي تحت قبة الولاء فكانت الهرم .. وعند عتبته فيض من بركات .
فلا اكتمال عبودية دون ولاء لعلي ، ولادمعة في سحر إلا وإن تمتزج بالحزن الدمعة على علي بن ابي طالب.
العبادة في حجر الأولياء
شاء الله أن يجعل للعبودية لونا آخر ، ونبضا ممزوجا بالوجع، ومشاعر يخالجها العهد ، وسجدة تحالف مع الوصي، لأن الصلاة اقتدت بالولاية وعشقت صوت تسبيحه وتسلحت بمنهجه ، فلولا عبادة علي عليه السلام ، ماكان للدين قائمة ..
العبادة ممتنة لعلي بخلودها محاجر صادقة على مدى الدهر ، وقد تزاحمت المعاني عمق مصاديقه والتفت تعانق أنفاسه وقد جعل للعبادة مخدعا ثابتا لايشابهه ركنا آخر .
شهر رمضان، رمم و ضمن لكل مؤمن جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .. لأن العبادة تطهيرا وغسولا للقلوب التي تلوثت من درن فواصل الحياة المتعبة ، لذا تحتاج من المؤمن تضحية كبيرة ليصل إلى عاقبة الرضا من رب جليل...
كيف لا، وقد توج هذا الشهر، بشهادة الوصي ، حتى أن الدموع نسجت عهدا وندامة الصدور تحكي رواية ، وقلب الحدث اكتظ بالحديث.
نعم إن الضربة قد هدت ركن الايمان كله ، باستشهاد علي بن ابي طالب ، ففي كل قطرة من دماءه علما جما ، وغيثا واسعا وإجابة لكل سؤال .
نحن مسؤولون أن نعطي جوابا لما حدث وشرح فصول الجريمة وأسبابها لكل جيل وبلغته الفاعلة لتفعيل النهج العلوي المتين على أوسع نطاق ورسم خارطة طريق معهودة بالوعي ومعرفة الحق و جمع قطرات الطهارة وتقديسها، لنصنع منها مهرجانا لتوثيق العهود.
قال الراوي: (فاصطفقت أبواب الجامع ، وضجت الملائكة في السماء بالدعاء ، وهبَّتْ ريحٌ عاصفٌ سوداء مظلمة ، ونادى جبرئيل عليه السلام بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ : "تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى ، وانفصمت والله العروة الوثقى، قُتِلَ ابن عم محمد المصطفى ، قُتِلَ الوصي المجتبى ، قُتِلَ علي المرتضى، قُتِلَ والله سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء ") ..واعلياه وامظلوماه .
اضافةتعليق
التعليقات