الإنسان بطبيعته يهوى الثناء، يسعد بالمديح، يتأثّر ويستمتع بمن يشيد بصفاته، يحب من يلتفت ويهتم بما يقوم به وإنْ كان عملاً صغيراً، وعليه؛ يحلّق عالياً بفضل تلك الكلمات لكنه يرتطم أحياناً كثيرة بصخرة الواقع أو يهوي تحت لهيب شمس الحقيقة!.
ببساطة: لا تصدّق كل مايقال لك، فالناس معادن، هل أنت قصدير، نحاس أم ذهب؟
ومن هو المقابل؟، قد يصدأ بالجهل، يتمدد بالكذب وينكمش بالنفاق..
أمير الكلام علي بن أبي طالب يبيّن لنا الوجه المظلم للمديح، وذلك عندما أفرط رجلٌ بالثناء عليه، وكان له متهماً..
فقال له عليه السلام:
《أَنَا دُونَ مَا تَقُولُ، وَ فَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ》
قد نستغرب من رفض الإمام لمدح الرجل له، وهو الذي يليق به كل المدح، بل لا يصل الثناء عليه معشار مايملك بالحقيقة، وقد سئل الخليل الفراهيدي عن أمير المؤمنين فقال: (ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين).
تنبيه ورسالة
كلام الإمام هنا عن المدح المذموم ونحتمل بجوابه عدة أمور منها:
_ معارضة الإمام لفكر (الغلو) واستنكاره لمن يصفه بمناقب تختص بالله عزو جل فقط وهو القائل صلوات الله عليه: "هلك فيّ رجلان محب غال ومبغض قال".
_ جواب الإمام هو درسٌ ورسالة لنا بالحقيقة وهو يوضح آفات المديح ومخاطره وخصوصاً كثرته والمبالغة به.
_ لعلّ أهم نقطة هنا هي معرفة الإمام بخبايا ذلك الرجل، فقد يكون متملّقاً أو منافقاً أو كاذباً أو أنه لم يذكر جميع الصفات الحقيقية.
من مدحك ذبحك
إذن، يحذّرنا الإمام من خطورة المديح الزائد عن حدّه أولاً وإلاّ فنحن قد نحتاج إليه في بعض الأوقات كحاجتنا لجرعة دواء وبطبيعة الحال سيكون قليله نافع وكثيره ضار، فالثناء يشجعنا ويعطينا الطاقة والتحفيز للعمل والإستمرار، وثانياً يوّجهنا لضرورة التفحّص ومعرفة نية المادح وأن لا ينعت الممدوح بما لا يتصف، وأن لا يقصد بثنائه خلط السمّ بالعسل ولذلك قيل: أحسن المدح أصدقه.
فالاعتدال والتوازن مهم في إطراء أي شخصٍ كان، وإلّا فكثرة مدح الآباء لأطفالهم مثلاً مدعاة لغرورهم وفشلهم وعواقب ذلك يراه الوالدان والأبناء عندما يكبرون ويواجهون مفاصل الحياة وحدهم، وهنا قد يكون المدح عن محبة ولكن الآفة الكبرى الثناء على الفاسدين كما يحدث اليوم إعلامياً وذلك استجداءً لبعض المصالح وممن هم ليسوا بأهل لذلك وهاهم يصلون نتيجة الكلام المنمّق لمراتب لا يستحقونها.
وأخيراً، كلّنا نحب الكلام الجميل لكن علينا إدراك حقيقة الآخر هل هو صديق أم عدو؟، ثمّ علينا أن نعرف أنفسنا وحدود قدراتنا، مزايانا وعيوبنا عندها لن نفرح بإطراء ولن ننكسر أو نبتئس بذمٍ أو إساءة!.
اضافةتعليق
التعليقات