ثمة جروح لا يمكن أن تندمل وإن مر الزمان وانطوت الأيام والأعوام فعندما يتسلل الألم إلى أعماق الروح ويقطع شغاف القلب نتيجة فقد لأعز ما تملك؛ تستحيل الحياة قاسية حد الكي بنار البعد، ويستحيل النور ظلام في عينيك والجمال ماهو إلا شيء عادي فلا يمكن أن تكون البلاد الغريبة وطن أو تكون زوجة الأب أم حقيقية..
ملامح والدتي، تفاصيل غرفة نومي، وذلك الدبدوب الصغير، لا أزال أتذكرها رغم مرور أكثر من ثمانية أعوام على فقدها جميعا حتى ذاك اللحاف الملون الذي غطتني به أمي بعد أن طبعت قبلة على جبيني وتلك الليلة الدافئة رغم برودة فصل الشتاء في الشام..
أمي، اليوم كنت قد ذهبت مع خطيبي إلى بحيرة الأمنيات وقد رميت الدراهم النقدية من أعلى الجسر واحد من أجلك وواحد من أجل الوطن وآخر من أجل الأمان بينما راح أحمد يتمنى أن نتزوج بعد تخرجنا هذه السنة من الجامعة ويكون أبا لأطفال أكون أما لهم.
شعور بالغربة لازال يلاحقني وانكسار فقدك بادٍ على وجهي، كأني طفلة صغيرة تائهة بين أمنيات وافتراضات.. ليت الزمان توقف عند تلك اللحظات.. ليته يعود.. بل ليت القدر كان من نصيبي.. وليتك أخذتني معك.. كل ليلة أوهم نفسي أن هذا الكابوس سينتهي وسأصحو على صوتك صباحا وأذهب إلى مدرستي أقطع الأزقة الضيقة لحارات الشام القديمة حاملة حقيبتي على ظهري وباقة الياسمين بين يديّ فأقضي يوما من أجمل أيامي معك..
ولكنني أصحو مرعوبة فزعة كل صباح في غرفة ليست غرفتي وسرير ليس لي على صوت سيدة أخذت مكانك فأبحث عن دميتي تحت لحاف ما شعرت بدفئه يوما لكن دون جدوى.
تلك الليلة المشؤومة أخذت مني كل شيء حتى ضحكاتي وأحلامي الوردية، حنانك واهتمام أبي، وطني وصديقاتي، حتى دميتي، تركتني لاجئة في بلاد نائية تعيش على حلم أن تعود إلى الوطن وتقتات على بقايا ذكريات، أمي الحياة هنا هادئة وأنا أعيش بسلام وأملك كل شيء لكن لا معنى لأي شيء دونك، أحتاجك على الدوام وأشتاق الوطن..
أقتل جل نهاراتي صامتة وأتخيل كيف كنت سأكون وكيف هي حياتي لو أننا مازلنا معا تحت سقف واحد على أرض الوطن ثم يصم سمعي دوي الانفجار الذي رحلتي معه، وأظل أتساءل كطفل صغير لا يعي معنى الموت وسفر الشهادة هل لنا من عودة؟.
لكن سؤالي في كل مرة يقتل مذبوحا دون إجابة.
اضافةتعليق
التعليقات