لقد أصبحَ الذّكاء العاطفي، المعروف أيضاً باسم "الحاصل العاطفي EQ"، موضوعاً متكرراً في الشركات الأمريكية وفي مختلف البيئات المهنيَّة لسنواتٍ خلت. لقد تمَّ ربطه بالأداء والنّجاح في نواحٍ تشمَلُ الاحتفاظَ بالعملاء وزيادة المبيعات وإدارة القيادة والعديد من الجوانب الأخرى. قامت دراسة أجراها موقع TalentSmart، بعمل اختبار للذكاء العاطفي إلى جانب 33 من المهارات الأخرى الهامَّة في مكان العمل، فَوجدت أنَّ معدَّل الذّكاء العاطفي هو أقوى مؤشر للأداء، كما ويشرح ما نسبته 58٪ من مُجمَل حالات النَّجاح في جميع أنواع الوظائف. وقد وجدت هذه الدِّراسة أيضاً، أنَّ ما نسبته 90٪ من أفضل المشاركين فيها أداءً، لديهم ذكاء عاطفي أعلى، ويَجنُونَ 29،000 دولار سنوياً أكثر من نظرائهم الحاصلين على معدلاتٍ أقلَّ في الذّكاء العاطفي.
إذاً، ما هو الذّكاء العاطفي؟
يُعَرَّف الذّكاء العاطفي بأنَّه قدرتنا على التَّعرف على الحالات العاطفية والسَّيطرة عليها، مع مراعاة الحالة العاطفية لمن حولنا. فالأمرُ كُلَّه يتعلَّق بالوعي! تقوم شركة "Genos International" بعملٍ رائع في شرح الذّكاء العاطفي في 6 خطوات، وذلك باستخدام نموذج "Genos" للذكاء العاطفي.
سنقوم بتبسيط ذلك النَّموذج إلى 4 مجالات رئيسية للمهارات.
المهارات الأربع للحاصل العاطفي (EQ) الوعي الشخصي (الوعي الذاتي): وهو إدراكك لعواطفك ومعرفة كيف يراها الآخرون أثناء حدوثها. بمعنى آخر، معرفة كيفية تفاعلك مع مواضيعك الحسَّاسة أو خطوطك الحمراء. فمثلاً، إذا عارضك أحدهم في جدال، فقد تقوم بتدوير عينيك أو قد تضرب الأشياء بعنفٍ على الطَّاولة، في محاولةٍ منك لإظهار رفضك.
إدارة الشَّخصيَّة: وهي إدارة عواطفك وإيجاد طرُقٍ أفضل أو إيجابية للتَّعبير عنها. فمثلاً، أثناء جدالٍ ما، قد تُنهي المحادثة بكل احترام، لكي تخفف من حدَّة الموقف بدون أن تجعل الشخص الآخر يشعر بالدُّونيَّة لأنَّه لا يتَّفق معك في الرَّأي.
الوعي الاجتماعي: بمجرد أن تكون قد حددت مشاعرك وأصبحت قادراً على إدارتها، ستمتلك عندئذٍ نظرة ثاقبة لكيفيّة قيام الآخرين بإدارة (أو عدم إدارتهم) عواطفهم. وفقاً لهذه الصِّياغة، سوف تكون على درايةٍ بالسُّلوكيات ونقص الوعي لدى الآخرين، وستتمكن الآن من رؤية الأمور من منظورٍ مختلف.
إدارة العلاقات: وهي قُدرتك على توظيف وَعيِكَ وَعواطفِ الآخرين، في تطوير العلاقات والحفاظ عليها. إنَّ هذه المهارات ذات أهميَّة بالغة في العمل ضمن فِرَق، ومع الشركاء والعملاء والبائعين والزبائن.
أهمية الذكاء العاطفي:
يلعب الذكاء العاطفي دوراً كبيراً في مساعدة الأفراد على اكتساب المهارات الاجتماعية التي بدورها تمكّنهم من القدرة على التعامل مع المواقف الاجتماعية، ويتضمن هذا النوع من الكفاءة القدرة على الاستجابة بشكل ملائم لمعظم المواقف الطارئة. ووفقاً “لدانييل جولمان” مؤلف كتاب “الذكاء العاطفي”، يرى أن الذكاء العاطفي هو عامل رئيس للنجاح في المدرسة والبيت والعمل.
فعلى مستوى المدرسة، يرى جولمان بأن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي أكثر شعبية ومحبوبون من أصدقائهم، وذوو مهارة اجتماعية عالية، وأقل عدوانية، ويكونون أكثر انتباهاً في مواقف التعلم، لذا يصبحون متعلمين فعّالين. وعلى مستوى البيت، فإن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي يكونون أكثر فعالية في حياتهم الأسرية. أما على مستوى العمل، فالأشخاص ذوو الذكاء العاطفي يعززون عمل الفريق بمساعدة الآخرين في التعلم ليصبح العمل أكثر فاعلية، ويعزز هؤلاء عمل الفريق؛ بسبب قدرة هؤلاء الأشخاص على رؤية الأشياء من وجهة نظر الآخرين ويشجعون التعاون أثناء إنجاز المهمات التعليمية.
ويرى أن عمل الفريق يتطلب تعليم الأشخاص المهارات الاجتماعية؛ إذ إن تعليم الأشخاص المهارات الاجتماعية يؤثر في قدرتهم على تنظيم انفعالاتهم وحل مشكلاتهم بهدوء؛ مما يساعدهم على مواجهة الصعوبات والتوافق مع العوائق المختلفة، وهذا يساعدهم على النمو بشكل سليم ومنه إلى النجاح على المستوى الشخصي والمهني في المستقبل.
إن الذين يستطيعون التحكم بمشاعرهم والسيطرة عليها والتحكم بها، وكذلك ضبط انفعالاتهم وإدارتها بشكل متوازن، ويتقنون فن التواصل المثمر والبناء مع الآخرين، أولئك هم الأشخاص القادرين على إدارة حياتهم وصنع القرار والتحفيز على النجاح والتألق وترك بصمة رائعة في محيطهم الاجتماعي، وهم صناع القرار والعباقرة والمبدعين، إنهم بكل بساطة يمتلكون “ذكاء عاطفي”.
كيف تكتسب مزيداً من الذّكاء العاطفي؟
على عكس معدل الذّكاء (IQ)، فإنَّه من الممكن تعلُّم الذّكاء العاطفي. فَوفقاً لـ "ترافيس برادبري Travis Bradberry"، مؤلف كتاب "الذّكاء العاطفي (2) - Emotional Intelligence 2.0"، فإنَّ التَّواصل بين "عقلك" العاطفي والعقلاني (بمعنى: إعمال المشاعر مع وجود محاكمة عقليَّة لها) هو المصدر "المادي" للذَّكاء العاطفي.
يتطلب الذّكاء العاطفي تواصلاً فعَّالاً بين المراكز العقلانية، والمراكز العاطفية في الدِّماغ. بعبارةٍ أخرى، إنَّ الممارسة تؤدي للكمال، فأنت لن تزيد من ذكائك العاطفي في ليلةٍ وضحاها، لكن يمكنك ذلك مع مرور الوقت. فَوجودُ وَعيٍ شخصي واجتماعي، مقترناً بالقدرة على إدراك وإدارة العواطف السَّلبيَّة مع الضغط النَّاتج عنها، هو العامل الحاسم في ذلك.
كُنْ صادقاً: لا يمكن لِلمَرءِ أن يبدأ بناءَ علاقاتٍ أفضل إلّا عندما يقرِّر أنَّ ذلك أمرٌ هام، فَيُباشِر بعدئذٍ باتِّخاذ الخطوات الكفيلة بالوصول إلى علاقاتٍ أفضل. إنَّ ذلك بمثابةِ تمرينٍ على الصِّدق والاهتمام. فَكونك صادقاً مع نفسك وتهتم بجسدك وتضبط ردود فعله، يعود بالنَّفع على الوعي العاطفي لديك.
من المهم أيضاً أن تكون على دراية بتغيراتك المزاجيَّة؛ خاصَّة في المواقف التي تُظهِرُ فيها مشاعر السَّعادة والحزن والإحباط وخيبة الأمل والقلق والخوف والغضب. إنَّ التَّقليل من العادات القديمة والسلوكيات المُكتسبة، واستبدالها باستجاباتٍ فعَّالة، سوف يُحسِّن علاقاتك مع شركاء العمل والزبائن.
دَرِّب نفسك على التَّعاطف: أحد طرق زيادة الذّكاء العاطفي هي فهمُ كيف يشعر الآخرون. يُعرَّف التعاطف على أنَّه القدرة على تحديد كيف يختبر الآخرون عواطفهم، وكيف يشاركونها. إنَّ إظهار الاهتمام ومراعاة ما يقوله الآخرون هو جزءٌ من مهارات الإصغاء بإيجابيَّة. تتطلب ممارسة الإصغاء بشكل إيجابي، الإصغاءَ إلى ما يقوله الآخرين بعينيك وبقلبك، وأن تكون حاضراً أثناءَ المحادثة جسدياً وعاطفياً. كما أنَّه توجد طريقة أخرى رائعة لاكتساب الذّكاء العاطفي، وهي عبرَ قراءة لغة جسد الآخرين ومراقبة كيفية تفاعلهم واستجابتهم لسلوكك. ستوفر لك تلك التقنيّات نظرة ثاقبة وردودَ فعلٍ حول الكيفية التي يفهم بها الآخرون نواياك وسلوكياتك.
اضافةتعليق
التعليقات