تربّعت على عرش التميّز والابداع، شقّت طريقها الى العالمية وتفوّقت على أساطير الفن المعماري ومشاهيره، فكانت علامة فارقة في هذا العلم العريق.
إنها المهندسة المعمارية العراقية الأصل زها الحديد التي كسرت القواعد المألوفة وعصفت بقوانين الهندسة الفراغيّة وقلبتها رأسا على عقب، وطوّعتها بأناملها المبدعة لتخلق من الحديد والزجاج والاسمنت أبراج عملاقة ومتاحف وبنايات ومراكز ثقافية وصممتها كلها بطريقة مختلفة وغير مألوفة، لتنبهر عيون الزائرين لأعمالها وتتيه نظراتهم في الانحناءات والالتواءات المتناسقة والغير متناسقة والزوايا الغريبة فيجد المشاهد نفسه أمام تحفة فنيّة تنطق عن أيدٍ ذي حرفيّة عالية.
وأثارت هذه المرأة الجدل وارتفعت أصوات المنتقدين لمشاريعها وأفكارها كما مع كل الناجحين والمبدعين في العالم، فهم يدّعون أنها تغيّر قوانين الهندسة وترسم مشاريع غبر قابلة للتطبيق على أرض الواقع ويستحيل تجسيدها فهي تتعارض مع قوانين الجاذبيّة كما يقولون!!
فكيف أثبتت لأولئك العكس وكيف كسرت ذلك القالب الذي حجّم وطوّق الكثير من المهنسين أعمالهم من خلاله؟!
نستحضر هنا قول ل إدوارد دي بونو : إن ماهو فوق المنافسة إنما معناه مافوق النجاح ومافوق النجاح هو التميّز. و هي عبارة لمبتكر مصطلح التفكير الابداعي هذا المصطلح الذي يُكتب عنه في المئات من الكتب ويدرسه الآن الملايين في العالم في معاهد ودورات التنمية البشرية بغية الوقوف على أسرار نجاح وتفوق وابداع شخص دون آخر. وهذه الكلمات تجيب عن سبب تميز زها وتفوقها.
فكانت بحق احدى المبدعين والتي سعت بعزيمة لاتكل لفك شيفرات العقل والتفكير واكتشفت أسراره وطرقه المختلفة وهي قدرات اودعها الله لكل البشر بيد أن البعض تعرّف عليها و أحسن استخدامها ووجهها في مجاله ومهنته والاخر أساء ذلك هذا ان عرف بوجود هكذا قدرات!!
وهي طبقت في كل أعمالها ومشاريعها مبادئ التفكير الابداعي وأهمها على الاطلاق مبدأ التفكير خارج الصندوق فهي وضعت تلك القوانين الرياضيّة التي لاتسمح بتطبيق مشاريعها جانبا، وحذفت المعتاد وتركت لعقلها اختبار أي فكرة اومشروع يستحيل تطبيقه عمليا.
وبحثت زها منذ صغرها عن تلك الهبة التي ميزها الله عن بقية اقرانها وطوّرتها واستفادت منها وأفادت البشرية من مواهبها.
بالطبع ماكانت ستصل الى هذا الموقع لولا والديها وهي تشير اليهما دائما وتشيد بجهودهما في الكثير من مقابلاتها الاعلاميّة فهم الذين اكتشفوا موهبتها ونمّوها وشجعوها على الاستمرار في هذا الطريق.
وبهذه العقليّة الفذّة والمخيّلة الخصبة، قفز اسمها الى الكثير من مدن العالم، وهي التي قالت يوما: في اللحظة التي تم قبول كوني امرأة، فإن كوني عربيّة أصبح إشكالية، فكان كونها امرأة وعربيّة تحديات وعقبات استطاعت تجاوزها وأرغمت كل مشكك بقدراتها أن يتقبلها بل ويشيد بفنها وأعمالها فتسلّحت باالارادة والعمل والايمان بقدرتها في سبيل ذلك ونجحت كل النجاح.
فحصدت العديد من الجوائز في كبرى المسابقات في العالم، وحصلت عل وسام التقدير من الملكة البريطانية بعد ان اختيرت كأفضل الشخصيات في بريطانيا، وتعد حديد أول امرأة تفوز بالجائزة الكبرى في المسابقة التي اقامتها المملكة، وصنفتها مجلة التايمز في سنة 2010 كرابع أقوى امرأة في العالم!!
وهي ذاتها المرأة التي رُفضت اعمالها في بلدها فلم تحدّها أرض ولم تستسلم، فانطلقت من بريطانيا التي احتضنت موهبتها واكتسحت تصاميمها أنحاء العالم فشيّدت تحفها في المانيا واليابان واذربيجان ودبي والرياض وبيروت واسبانيا والكثير من البلدان العربية والاجنبية.
وكانت كل مشاريعها حصيلة انسجام مابين المعرفة والخيال، وكما يقول توماس أديسون: لكي تخترع أنت بحاجة الى مخيلة جيدة وكومة خردة، وكذلك يقول انشتاين: الخيال أهم من المعرفة.
وفعلا فإن المكانة التي وصلت اليها هذه المهندسة كانت نتيجة خيالها الواسع فتفوقت على الاف المهندسين في العالم والذين كانو أكثر ذكاءا وعبقرية منها.
ورحلت زها حديد وبقي اسمها اللامع و أعمالها الابداعية شواهد عملاقة على فنها المرهف.
خسر العالم أسطورة العمارة كما خسر وطنها تلك اليد الفنية و برغم ماقالت زها قبل مايقارب العشر سنوات في احدى مقابلاتها بأن العراق بحاجة إلى أكثر من إعادة هندسة بيد أنه سيبقى وبكل تأكيد بحاجة لإبداعها ومهارتها العالية، فبالابداع أيضا نبني البشر والحجر و نتحدى يد الارهاب التي تقتل وتهدّم.
اضافةتعليق
التعليقات