كان ولا يزال العراق يمر بأوقات عصيبة وظروف غير جيدة تحت ظل حكومات لم تتمكن من تقديم الخدمات الكافية لمواطنيها وخلق حياة كريمة لهم، ولكن يبقى الشعب على رغم الظروف السيئة يحلم بالتغيير وبالأخص فئة الشباب الذين يمثلون بنية المجتمع المحملة بالإصرار والعزيمة من أجل التغيير نحو الأفضل.
إذ إن الشباب هو محرك الحياة في المجتمع وقلبها النابض ومجددها ومطورها، فالشباب هم طليعة المجتمع وعموده الفقري وقوّته النشطة والفعّالة والقادرة على قهر التحدّي وتذليل الصعوبات وتجاوز العقبات فدورهم الأساسي واضح في المجتمع أكثر من غيرهم ولديهم الاجتهاد بما يملكون من قدرات بشرية ومادّية للحفاظ على الأبناء وتأهيلهم لتحمّل المسؤولية وتمكينهم وحمايتهم من الفراغ الأيديولوجي القاتل، لذا فإنّ أي مجتمع يجب أن يفتخر بشبابه لأنهم الرئة النقية التي يتنفس منها، الشباب المؤهل بالعلم والمعرفة، الطموح القادر على الآخذ بزمام المبادرة، المثقف الواعي الحريص على قضايا أُمّته، المحصن بتقوى الله، الجريء في قول الحقّ بلا إفراط أو تفريط، صاحب العزيمة، المحافظ على مكتسبات الوطن المادّية والمعنوية، يتمثّل قول الله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) (القصص/ 26) المنتمي لدينه ووطنه وأُمّته، لا يتردّد أبداً في أن ينخرط في الخدمة العامّة بارتياح واطمئنان، يسهم في رسم الخطط لإحداث التغيير الإيجابي الجذري بدون كلل لأنّه يؤمن بقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11) ينظر إلى أُمّته بعين المحبّة، يخلص في أداء واجبه لأنّه عبادة يتقرّب بها إلى ربّه عزّوجلّ، لقد أودع الله في الشباب طاقات يجب أن تُستغل في العطاء الخيّر الذي يعود على أبناء الأُمّة بالسعادة والرضا والأمان المادّي والمعنوي، والشباب قادر على تخطي العقبات التي تعترض مساره بالحكمة للوصول إلى الهدف المنشود، كما إنّه صادق في تحمّله الأعباء، لأنّه يتعامل مع قضايا الوطن بطُرق علمية حضارية قائمة على العلم والإحاطة للتحدّيات الحاضرة والمستقبلية التي تجابه الأُمّة.
إنّ الشباب هم عنصر الحيوية والعطاء في المجتمع، فإنّ هذه الخصائص ترشّحهم ليكونوا طليعة التغيير ورُواد كلّ جديد، ذلك أنّه "يغلب على عنصر الشباب الميل للتغيير وعدم الرضا بالقديم، والبحث عن الجديد، ومن هنا فإنّ وقود التغيير يعتمد أساساً على حماسة الشباب وصلابة إرادتهم"، ويعتبر الشباب وقوداً لحركات التغيير في كلّ المجتمعات، لما يتمتعون به من حماسة القلب، وذكاء العقل، وحبّ المغامرة والتجديد، والتطلع دائماً إلى كلّ جديد، والثورة على التبعية والتقاليد، إلّا ما كان ديناً قويماً، أو تراثاً صحيحاً.
وإن الخطوة الأولى على طريق التغيير هو الاعتراف بوجود مشكلة، والشعور بالحاجة إلى التغيير، وهذه خطوة جوهرية لأن مشكلة الكثير من الناس عدم إدراكهم لهذه الأهمية... بل يعتقد البعض أن مجرد التفكير بهذا الأمر يقلل من قيمتهم أو يصمهم بالضعف وعدم الكفاءة.
ويجب على جميع أفراد المجتمع أن يدركوا بأنّ الشباب يتمتع بالنظرة الثاقبة في معالجته للمشاكل، ويأنف أن يكون إمّعة، إنّه صاحب قرار عنده من الشفافية والصدق والحس الإيماني والوطني ما يبعده عن الإساءة لنفسه ولغيره، لقد رسم الشباب الذي يحمل هم المجتمع معالم شخصيته، وحدّد موقعه كرقم له أهميّته في فهم قضاياه مع السعي لعلاجها بعد أن أخذ بالأسباب وتوكل على الله، وأعدّ لكلّ قضية ما يلزمها، نريد أن يمتزج رأي الشباب بالحكمة والحماس، لقد أخذ الرسول الكريم (ص) في معركة أُحُد برأي الشباب عندما خرج للقاء العدو الذي يهدد أمن وعقيدة وسلامة الأُمّة، هذه الفئة الخيّرة يعول الوطن عليها ويعقد الآمال، لأنّها تضطلع بالمسؤولية لتحصين الوطن الغالي من غائلة الأخطار، ولأنّها تربّت في أُسرة علّمته الاعتماد على النفس، ودرّبته على الحوار والتواصل مع غيره بإيجابية وثقة، احترمت عقله وآدميته فجعلته محط اهتمامها ورعايتها، فكان لهذا الأثر الواضح في تفاعله وحركته النشطة، وانطلق بحرّية مسؤولة، ليكون رسول خير لأُمّته بفكره الناضج، وعطائه المتميز، وإيمانه العالي. إنّهم يمتلكون القوّة بأبعادها المختلفة العقلية والجسدية والنفسية، فهم الأقدر على الإنتاج والإبداع والتغيير، فهم الذين تسير بهم العملية التعليمية والمصانع والمزارع والتكنولوجيا الحديثة، "فأوساهير" الشاب الياباني هو الذي أدخل المحرك الأوروبي في الصناعة اليابانية، ممّا جعل اليابان تضع قدمها على طريق التقدم الصناعي.
إدرك بأنّ أحد أسباب تخلف بعض البلدان هو عدم توظيف طاقات الشباب وإهمالهم، وفي بلدان أُخرى نجد عدم منح الشباب مكانتهم الحقيقية في المجتمع وإعطائهم أدواراً هامشية لا تساهم في بناء البلد، كما إنّ هناك تخلفاً يحصل لدى بلدان أُخرى تجاه الشباب وهو إعطائهم مسؤوليات كبيرة لم يؤهلوا لاستلامها، إذ لم تكن هناك برامج تمهيدية، كأن تلقى على عاتق الشباب مسؤولية كبيرة جدّاً لا يدري كيف ينجزها وذلك بسبب قصور المربين في توجيهه وتأهيله لها، لذا فالضرورة تقتضي أن يدير الشباب الكثير من المواقع الحسّاسة والمهمّة في المجتمع ويشترط بذلك عدة أُمور منها مثلاً الإحاطة بمعرفة قدراتهم وقابلياتهم الحالية منها والمستقبلية، وكذلك إعدادهم وتأهيلهم لاستلام المناصب الحسّاسة، وتوفير فرص العمل لهم، وفتح المجالات المختلفة أمامهم وتسهيلها ومحاولة تقديم المساعدة لهم من قبل الجميع.
لقد أصبح الشباب في واقعنا المعاصر يعانون من مشاكل كثيرة بسبب البطالة "مشكلة الباحثين عن عمل" وهدر طاقاتهم وعدم الاهتمام بهم بالشكل المطلوب، إضافة إلى ارتفاع مستوى المعيشة وغلاء الكثير من المواد المهمّة المستخدمة في حياتهم اليومية، وقد سبّب ذلك انطوائهم وعزوفهم عن الزواج وتهربهم من المجتمع بطُرق ملتوية وانخراطهم في تناول المخدرات.
وهنا يأتي دور الإعلام كوسيلة مهمّة لتوجيه الشباب بالوجهة الصحيحة وترسيخ القيم والأخلاق الفاضلة فيه من خلال الدور المهم الذي يطلع به الإعلام.. فالإعلام هو في حقيقته قوّة حضارية أو عملية ثقافية تجري في بيئة معيّنة مؤثرة فيها ومتأثرة بها، وهناك تفاعل مستمر بين وسائل الإعلام والمجتمع، فهذه الوسائل لا تؤثر على المجتمع بنُظمه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فحسب، بل إنّ هذه النُّظم قد تؤثر فيه أيضاً.
فمن هنا نجد أنّ المنطلق الأساسي الذي يدور حول حقيقة جوهرية مؤثرة هو أنّ الإعلام يبثّ القيم والأخلاق الفاضلة في المجتمع إن كان ذلك الإعلام، إعلاماً صادقاً نابعاً من صميم الأُمّة الإسلامية والمجتمع المسلم الأصيل. فيجب تعليم الشباب ضرورة التطلع إلى المستقبل والسعي وراء تحقيق مستوى أفضل والاستعداد للعمل من أجل تحقيق ذلك، فواجبهم كمواطنين يملي عليهم التطلع إلى التقدّم وتحقيق القوّة والعظمة لأُمّتهم وذلك من خلال التحديث ونشر الأفكار والمعلومات الجديدة التي تحفّز الشباب في تعبئة طاقاتهم ومقدرتهم على تخطيط وبرمجة المستقبل.
وقد يُصاب الشاب بالإحباط نتيجة عدم تحقيق طموحاته ورغبته في التطوّر ومسايرة العلم والتكنولوجيا وذلك بسبب عدم توفّر الفرص والإمكانيات اللازمة لذلك... فيشعر الكثير من الشباب بعدم الرِّضا لأنّ ما يحصلون عليه أقل بكثير ممّا يتطلعون إليه... وكلّما ازدادت سرعة تغير وتطوّر العلم ازدادت حاجة الشاب إلى معلومات يعالجها من أجل اتّخاذ قرارات سليمة وفعّالة، ولكنّ هناك قيوداً وحدوداً ثابتة لمقدرة الإنسان على معالجة المعلومات وصياغتها بشكل متلائم مع قدرته وإمكانيته، لذلك تقتضي السياسة السليمة وجود قدر من التوافق بين ما يحفّز الشباب على تحقيق ما يرغبون فيه وما يمكّنهم أن يحصلوا عليه، ولكنّنا نود أن نؤكّد هنا أنّه لا يمكن تحقيق التنمية ما لم نبدأ أوّلاً في رفع مستوى طموحات الشباب وتشجيعهم على السعي وراء النمو القومي والحياة الأفضل، فمتى سنكون واقعيين في تناول قضايا الشباب والاهتمام بها ومعالجتها والاستفادة من تجارب الشعوب في الماضي والحاضر لتوجيه شبابنا بالأُمور الثقافية والفنّية والاقتصادية وعدم هدر طاقاتهم ومواجهة الانحرافات والمآزق ونمنحهم الثقة بالنفس لمواجهة مشاكل الحياة لمسايرة العصر والتقدّم والعلم وتحقيق أهدافهم النبيلة وتطلعاتهم نحو بناء مستقبل مشرق ومنير. عزيزي القارئ: لا يخفى على الشباب بأنّ النظرة الحالية لهم بأنّهم طائشون وغير مسؤولون ولا يستطيعون تحمّل الصعاب فهذه النظرة الخاطئة كفيلة بكسر وتحطّم القدرات الجبّارة عند الشباب وتساعد في هروبهم وارتمائهم في أحضان مَن يريد بهم وبأُمّتهم ومستقبلهم سوءاً.
اضافةتعليق
التعليقات