إن اصطحاب الكتاب وجعل القراءة أحد برامجنا اليومية أسوة بسائر أعمالنا الأخرى التي هي من ضرورات الحياة يعد أمراً هاماً في تكويننا العلمي والثقافي وهذا يحتاج منا إلى إعادة صياغة أوقاتنا من جديد وترتيب الأولويات والمهمات فيها على نحو لا قصور فيه ولا اعوجاج كثيراً ما نعلل انصرافنا عن القراءة وجليل الأمور بأسباب متعددة قد تختلف من شخص لآخر ومن فئة لأخرى لكن يجمعها جامع واحـد هـو ما يعبر عنه بـ(الأسباب الخارجية) التي لها أثر بلا ريب وهذه الأسباب متنوعة تارة نلقي اللوم على العمل والانكباب عليه ومرة على الأهل والأتراب والأنس بهم وتارة على الوقت وازدحامه بالأعمال الضرورية.
تجاوز العقبة النفسية
من العقبات النفسية التي قد تتأصل في بعض الأنفس الإنسانية عدم الرغبة في القراءة والنفرة منها فتجده يردد دائماً (أنا لا أحب القراءة، أنا لا أطيق القراءة) وهذا منه تأصيل للنواحي السلبية في نفسه عن طريق هذه الإيحاءات والتصورات التي تكون عائقاً له عن القراءة وسداً ماثلاً بين عينيه إن التخلص من هذا الإيحاءات السلبية يكون بإفراغ النفس منها لأن التخليـة قـبل الـتـحـلـيـة كمـا يـقال ومن ثم إحلال الإيحاءات الإيجابية مكانها والتي منها (أنا أحب القراءة، أنا أستمتع بـالـقـراءة) فإذا نجح في هـذا فقد قطع مسافة كبيرة نحو القراءة.
إيجاد الدافع نحو القراءة
إن الإنسان لا يصادف مشكلة بتاتاً في التعامل مع دوافعه الأساسية كالطعام والأمن وسـواهـما من ضروريات الحياة وإنك إن بحثت لن تجد أحداً يستدعيها أو يكونها لديه ما لم يكن عليلاً أو مريضاً لأنها من الخلقة والفطرة وإليها وإنما تكمن المشكلة في الاستجابة لدوافعه الثانوية من علم وقراءة وأشباههما لقد كان من جراء التخلف والفقر والخوف الذي حل بكثير من بلاد المسلمين أن أصبح الواحد من المسلمين يجري جرياً لا التفات معه لتأمين حاجاته الأساسية من طعام وشراب ثم قل لي برأيك ما حال حاجاته الأخرى من علم وقراءة ونحوها أنها لم تخطـر له على بال وإن مـرت ببالـه مـرت طـيـف خيـال أو وسوسة هـو لهـا بالمرصاد وقد تكون قنطرة لعبور مآربه المادية لا غير وهي بمكان قصي من اهتماماته.
توفير الكتاب وشراؤه
إن توفير الكتاب في المنـزل يشجع على قراءته والاطلاع عليه لأنه تفاعل معه بشرائه ثم بعد ذلك لا بد أن يتفاعل معه بقراءته وهذا أمر مشاهد ولذلك ينبغي أن يدخل الكتاب قائمة الاحتياجات المنزلية التي يوفرها رب الأسرة لأسرته وأحد ضروب الأثاث المنزلي ثم تأتي خطوة لاحقة وهي تكوين مكتبـة مـنـزليـة لأن وجود المكتبة في البيت يغري أعتى النافرين بتقليب صفحات الكتب والنظر فيها وقد كان هذا مما حفز بعض القراء الجادين على القراءة في بادي أمرهم وفيه أيضاً تربية للناشئة على حب الكتاب وإبعاد النفرة منه.
توفير الوقت للقراءة الذي يريد أن يقرأ لا بد له من جعل وقت محدد للقراءة لا يتخلف عنه ويكون ذلك أحد برامج يومه.
مجالسة عشاق القراءة والمدمنين على الكتب، لا ريب أن صـحـبـة الـبـطـالـيـن والـفـارغين يورث الإنسان ميلاً لطباعهم وصدوداً عن معالي الأمور وفضائل الأعمال ولذا كانت مصاحبة أهل الفضل والعلم دافعاً للإنسان إلى محاولة اللحاق بهم واستنان أفعالهم وهذا مشاهـد منظور وواقع محسوس ككون كثرة المؤاكلين أشحذ لشهوة الطعام من الانفراد لوحده.
قيل لأرسطو: كيف تحكم على إنسان؟
فأجاب: أسأله كم كتاباً يقرأ؟ وماذا يقرأ.
الهدف في القراءة
إن تحديد الهدف من القراءة من العوامل الأساسية التي تزيد من فاعلية القراءة وما يتحصل منها من ثمرات وعوائد لكن نجد كثيراً من القراء يغفل مساءلة نفسه عن الهدف التفصيلي الذي يقرأ لأجله مع أن تحديد ذلك بدقة مهم جداً لتحديد ما يلائم الهدف من أنواع الكتب وأضرب القراءة ومستوياتها ومن ثم رسم ما يناسبها من ذلك والنـاظـر في واقع الـنـاس يـجـد أن أهـدافهم من القراءة ذات أنواع مختلفة ربما تتداخل بعضها في ذهن القارئ عند ممارسة الـقـراءة فـيـجـمـع فـيـهـا أكـثـر مـن هـدف وهـي مـتـعـددة المـنـاحي والأغراض ولكن الأهداف العامة لقراءة معظم الناس ثلاثة وهي:
الهدف الأول: القراءة من أجل التسلية وتزجية الوقت وملء فراغات الوقت بالقراءة والمتعة بها والمظنون بهاته الفئة من القراء أنهم لو وجدوا المتعة والتسلية في غير القراءة لمضوا إليها قدماً أينما كانت في أحلاس القهوات أو أمام القنوات ، ومع هذا فإن أفضل ما يقطع به الفراغ نهارهم وأصحاب الفكاهات ساعات ليلهم الكتاب إذا اجتنبوا الكتب الرخيصة التي بها تنحط العواطف وتسفل المشاعر.
الـهـدف الـثـاني: الـقـراءة من أجـل الاطلاع عـلـى معلومات أو تنمية مهارات يمارس شريحة من القراء هذا الهدف للاستزادة من معلومات تهمـهـم فـي علـم من العـلـوم أو قضـية من القضايا أو لتنمية مهارة لديه وإتقانها وهذا النوع شائع جداً نظراً لسهولته وسرعة الوصول إلى مبتغاه بأقل وقت وجهد ولذا كان الممارس له يعد حقيقة متصفحاً للكتاب لا يعيره اهتماماً إلا بقدر ما يمر به من فوائد ومسائل يبحث عنها فهو حقيقة يزيد في حصيلته العلمية.
لكن لا يبني فكراً بل يكون ممارسه مثقفاً بقدر ما يحمل من معلومات جامدة لا تثير عنـده تـساؤلات تدفعه نـحـو الأمام وهي كذلك لا تصنع فقيها بقدر ما تصنع عارفاً للمسائل الفقهية ودقائقها يقف عند المنصوص منها ويحار عند المسكوت عنها.
الهدف الثالث: القراءة الاستيعابية وأعنـي بهـا الـقـراءة مـن أجـل توسيع دائرة الفهم والمدركات أو إيجاد مهارات فكرية أو عقلية إن الـقـراءة القائمة على الفهم والاستيعاب من أشق أنواع الـقـراءة وأكثـرهـا فـائـدة لأن فـيـهـا تحـسـيـنـاً لفهم الـقـارئ والارتقاء بمستواه نحو أفق الكتاب والمؤلف وقد يتطرق إلى جمهور القراء إن من شرط القراءة (من أجل توسيع دائرة الفهم) خلو الذهن وفراغه تماماً من الأفكار التي يطرحها الكاتب بحيث لا يكون عنده عن الكتاب فهم سابق بقليل أو كثير.
مقتبس من كتاب قراءة القراءة، ل فهد بن صالح الحمود
اضافةتعليق
التعليقات