كنت خارجة لأتبضع حاجيات لازمة للمنزل، وكانت معي جدتي وما إن وصلنا للسوق رأيت هناك عربات ذات العجلة الواحدة وكان هناك أطفال أعمارهم بين السابعة ومنهم اثنا عشر سنة يقفون، كل منهم لديه هذه العربة.
فكانوا هناك والشمس الحارقة تذوب على وجوههم وتلهب أجسادهم، يقفون صفاً ينتظرون من يستأجرهم بمبلغ ألف دينار، يتراكضون خلف الناس كل منهم يقول خذني أنا، والآخر يقول أنا أعرف منزلكم فأذهب بما تشترون للمنزل.
وإذا نحن واقفين بجانب بائع الخضروات والفاكهة، وكنا نطلب منه أن يضع لنا كمية من الخضار والفاكهة الموجودة لديه، فوجدت شيء يجر بعبائتي من الخلف وما إن استدرت وجدته طفل بعمر السابعة يقول لي: استأجريني انا!.
وقفت ذاهلةً لا أعرف ماذا أقول له، كسر خاطري جداً وتألمت عليه، وجدت وجهه شاحبا حرقته الشمس من شدة حرارتها العالية ونظرات عينيه خالية من الخداع فقيرة الحال، والمنظر تخشع القلوب لرؤيته.
فاأنا لم اتكلم حرفاً معه فقط نظرت إليه بعيني التي غرقت بدموعي، تذكرت حينها الإمام علي عليه السلام لما قالوا له:-
من لليتامى غيرك ياعلي
من الذي كتفه رسمت عليها اثار الجراب غيرك ياعلي
من الذي يكون للفقير عوناً وللمظلوم حقاً غيرك أنت ياعلي
ومازلت أتساءل في نفسي وأنا ناظرة لذلك الطفل الذي لا أعلم هل هو يتيم أو لا؟
ولم يكن هناك واحد فقط بل كانوا مجموعات من الأطفال يركضون لهذا الدينار ويفرحون عند استئجارهم.
إلا هذا طفل الذي سرق نظراتي إليه، فقد خفق قلبي حزناً لمنظره الحزين، قد رُسمت لوحات حزن في تفاسير وجهه الذي خالطه الفقر، والابتسامة كاذبة لكنها حقيقية بنظرتي له، لم يكن مخادعا بل يقول هذا انا ليس لدي عمل، وأهلي بحاجة للقمة العيش وهذا المبلغ القليل أذهب فيه لأمي.
لم يكن مثل الآخرين الذين لديهم كل شيء ولايفكرون في هؤلاء الضعفاء الفقراء لله، بل فكروا بأنفسهم، وكم لديهم من المال يجمعون به كأنما يأخذونه معهم، لايعلمون بأن الكفن لاجيب له.
لذا إن كنا نحب الإمام علي عليه السلام لنساعدهم ولنشد بأيديهم نحو الخير، لنعطي من مالنا لهم، لنرجع الطفل لمدرسته حتى يفكر بنجاحه ليس بما قد يحصل عليه من العمل والتعب والقهر الذي يحمله، لنرفع عن كاهله ولنرجع الإبتسامة الجميلة إليه ولنبث روح الأمل بالحياة لهم.
فالإمام علي (عليه السلام) قال:-
((الفقر الموت الأكبر)). فإن كنا من العاشقين للإمام لنمد يد العون لهم، فالحب ليس كلام ألسن بل تطبيق على وجه الحقيقة.
اضافةتعليق
التعليقات