لا أدري إلى متى ستظل المرأة المطلقة في مجتمعنا يُنظر إليها على أنها بضاعة مستهلكة لا يجوز الاقتران بها، وأنها امرأة مشبوهة، وإلّا فلماذا طلقت؟! ولذلك يرفضها المجتمع ولا يعطيها أي اعتبار ويعتبرها سبة في جبينه.
وتواجه المرأة المطلقة في مجتمعاتنا تجارب قاسية، ومحناً أشدَّ من محنة طلاقها، فأطماع الرِّجال حولها ترشُقُها بسهامِها وعيوناً ترميها بنظراتٍ تهزمُها بِلَوْمِها، تُشْعِرها بعارِها وذُلِّها ومهانَتِها، وألسنةً تقذِفُها بشَرارِها، فتَصْليها عباراتُها بكلماتٍ كرصاص البَنادِق تخترق قلبها، فتوقِعُها صريعةً تلفظ آخر أنْفاسِها، وآخر ما تبقّى من كرامَتِها، وحرِّيتِها، وجمالِها، وإحساسِها بإنسانيَّتها.
فهي لم تكن تعتقد بأنَّ طلاقها أعظم من خسارة رجل، كانت تحلم بأن تعيش معه حياةً زوجيَّةً سعيدة، وأنَّها ارتكبت جريمة تُعاقب عليها محكمة المجتمع، وعليها أن تتطهَّر منها ما تبقّى لها من سنوات عمرها، وتضمِّد جِراحاتها فلا تَفْتَر تنزِفُ حتّى تَنْزِح عروقُها من دمائِها، كما تنزح البئر من مائِها، وتُلَمْلِمُ أوراق ذكرياتِها، فلا تستريحُ نَفْسُها من زَفراتها وأوجاعها وأحزانها.
يُعرف الطلاق بأنه: اِنْفِصال الزَّوجين وفَسْخ زَواجهما، رَفْع قَيْد الزَّواج.
أسباب الطلاق
من بعض الأسباب التي تؤدي الى انتشار الطلاق في مجتمعنا:
١/ الجهل وعدم تطبيق أحكام الشريعة: نظّم الإسلام العلاقة بين الزوجين بما يحقق بيئة أسرية مطمئنة، فإذا لم يتم الالتزام بهذه التشريعات ولم يقم كل طرف بواجباته فإن ذلك سيؤدّي إلى تهديد الحياة الزوجيّة واستقرارها.
٢/ عدم فهم الزوجين طبيعة كل منهما المختلفة عن الآخر: فطبيعة خلق المرأة وجبلّتها المفطورة على حبّ الزّينة والمتاع وتصرفاتها المليئة بالعاطفة التي تغلب على عقلها في أحيانٍ كثيرةٍ يجب أن يدركها الرجل، ويسعى لأن يصبر على زوجته إن رأى منها ما يكره وعلى الزوجة فهم زوجها من جميع النواحي.
٣/ عدم الواقعية: فرسم الزوجين للأحلام الوردية والحياة الخالية من المشاكل قبل الزواج، يؤدي إلى حدوث صدمة عند أول اختلاف أو مشكلة بعد الزواج، فيتهم كل منهما الآخر بالغش والخداع.
٤/وقد يكون سبب الطلاق هو الزواج بناءً على رغبة الأهل أو بسبب أواصر القرابة القوية التي تجبر الرجل على الزواج من إحدى قريباته دونما رغبة منه وهذا يحدث خصوصا في المحافظات التي يغلب عليها الطابع العشائري.
٥/ الانفتاح المجتمعي على العالم عبر وسائل الاعلام والمعلوماتية، من انترنت وصحون لاقطة، ساهم كثيرًا في إشاعة نمط ثقافة غربية غريبة على المجتمع العراقي مما جعل حالة الطلاق مقبولة نسبيا لدى الفتاة والشاب.
٦/ ويحتل العنف البدني أو النفسي الذي قد تتعرض له الزوجة على يد زوجها مركزا مهما بين أسباب انتشار ظاهرة الطلاق في مجتمعنا فإن تعرّض الفتيات للعنف يعدّ سببًا في انتشار حالات الطلاق، كما إن تدخلات الأهل تساهم في بعض الأحيان في زيادة فرصة حصول الطلاق.
طرق معالجة ظاهرة الطلاق
_محاولة حل المشاكل بين الزوجين بالتفاهم والابتعاد عن العصبية وعدم ترك المشكلات من البداية كي لا تتراكم إلى الحد الذي تؤدي فيه إلى الطلاق. واللجوء إلى الهدنة وربما سيستغرب البعض من هذا الوصف، لكن الحقيقة أنّ الزوجين الموشكان على الطلاق أشبه بطرفي نزاع، ونقصد بالهدنة أن يبتعد الزوجان عن بعضهما فترة من الزمن قد تسمح لهما بمراجعة النفس، وعودة المشاعر الطيبة بينهما، وقد تُرجع تلك الفترة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
_وكذلك التأكد من قرار الانفصال؛ حيثُ إنّ بعض الأزواج يُصرون على الطلاق من باب الرد أو إثبات الذات أمام الطرف الآخر، دون الأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة بعد الإقبال على هذه الخطوة.
_تجنب لفظة الطلاق؛ على الأزواج التأني بالتلفظ بكلمة الطلاق، وليعلم كل من الزوج والزوجة أن مما ينشر الخير والسعادة ويبعد الشيطان عن البيت هو المحافظة على العبادات والأعمال الصالحة وعلى الزوج أن يجلس مع زوجته للنقاش بهدوء وحل الخلافات دون أن تصل الأمور إلى الطلاق. وعلى الزوجين ان يحتمل كل منهما للآخر.
_وايضا للتقليل من هذه الظاهرة يكون عن طريق التعاون مع خطباء المنابر لإلقاء محاضرة بخصوص الطلاق وبالأخص نظرة المجتمع للمرأة المطلقة وأيضا عن طريق المؤسسات لإقامة ندوات تعمل على التقليل من هذه الظاهرة.
موقف القانون
في بناء أي مجتمع يحتل بناء الأسرة المقام الأول في بناء كيانه، لأن المجتمع انما يتكون من مجموعة من الأسر وإن حماية الأسرة هي حماية للمجتمع وقضت الارادة الالهية اجتماع الرجل والمرأة في رابطة مقدسة تمثل أقدس العلاقات الانسانية وهي رابطة الزواج فهي رابطة مبنية على المودة والرحمة والاحترام وعقد الزواج من أهم العقود وقد عنت الشريعة الاسلامية بالزواج وقد قال الله تعالى: ((ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)).
فإذا ما انعقد الزواج حل استمتاع كل من الرجل والمرأة بالآخر على الوجه المشروع والغرض من الزواج في الإسلام ليس إشباع الرغبة الجنسية بين الرجل والمرأة فقط وإنما شرع الزواج لأهداف دينية واجتماعية ونفسية، كما نص الدستور العراقي على حماية الأسرة والطفولة وقد نصت المادة (29) من الدستور بأن الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية وتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة ووفقا للدستور تمنع كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة وتكفل الدولة للأسرة والطفل المقومات الأساسية للعيش في حياه كريمة، وللزوجة حقوق على زوجها يلزم الوفاء بها منها مالية كالمهر والنفقة ومنها غير مالية أدبية كالعدل وحسن المعاشرة وعدم الاضرار بها، كما إن من حقوق الزوجة أثناء قيام الزوجية وحقوق بعد وقوع الطلاق ومن هذه الحقوق:
اولا: حقوق الزوجة عند الزواج.
1.حق الزوجة في المهر المعجل.
2.حق الزوجة في المهر المؤجل.
3.حق الزوجة في الاثاث الزوجية وهي الاثاث التي يتم تخصيصها للزوجة ويتم شراءها من المهر المعجل وما سلم لها كهدايا بمناسبة الزواج وما تشتريه من مالها الخاص.
4.حق الزوجة في النفقة وهي المطالبة بالنفقة الماضية والنفقة المستمرة ذلك لأن نفقة الزوجة في مال زوجها وحقها في المأكل والملبس والمسكن.
5. حق الزوجة بالمطالبة بالنفقة المستمرة للأطفال ذلك لأن الزوجة هي الحاضنة للأطفال.
6.حق الزوجة بحضانة الطفل والحصول على أجرة الحضانة وحق المطالبة بأجرة الرضاعة للطفل.
7.حق الزوجة بالمطالبة بأجرة العملية القيصرية في حالة الولادة وإن الزوج مسؤول قانونا وشرعا بتحمل نفقة علاج الزوجة.
8. حق الزوجة بأن يتوفر لها الاحترام وحسن المعاشرة لأن العلاقة الزوجية مبنية على المودة
والاحترام وإن حق الزوج في تأديب الزوجة لا يعني تعرضها للضرب المبرح فمن حق الزوجة اللجوء إلى القضاء في حالة تعرضها للضرب والاعتداء عليها من قبل الزوج لا أن تكون الزوجة دائمة التعرض للاعتداء بالضرب والسب والشتم وإساءة المعاملة فتتحول العلاقة الزوجية إلى جحيم لا يطاق.
9.منح القانون العراقي الحق للزوجة في طلب التفريق القضائي من زوجها إذا أضر الزوج بزوجته ضررا يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية ووجود الخلافات المستحكمة التي تستحيل معها استمرار الرابطة الزوجية وإذا تزوج الزوج من زوجة ثانية بدون موافقة الزوجة الأولى وارتكاب الخيانة الزوجية وإذا هجر الزوج زوجته مدة سنتين فأكثر وإذا ترك الزوج زوجته بدون نفقة أو منفق شرعي وإذا امتنع الزوج من تسديد النفقة المتراكمة المحكوم بعد إمهاله ستون يوما من قبل دائرة التنفيذ.
10.وفر قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل الحماية القانونية لحقوق الزوجة القانونية حيث عاقبت المادة 384 من قانون العقوبات في حالة امتناع الزوج عن تسديد النفقة.
ثانيا. حقوق الزوجة بعد وقوع الطلاق
قد لا تستمر الحياة الزوجية وتقع الفرقة بين الزوجية بالطلاق فقد ضمن المشرع العراقي في قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 حقوق للمطلقة وأهم تلك الحقوق:
1.إذا طلق الزوج زوجته وتبين أنه متعسف في ايقاع الطلاق فقد ألزم القانون الزوج بتعويض الزوجة عن الطلاق التعسفي وهذا التعويض يجب أن يتناسب مع درجة التعسف في ايقاع الطلاق ذلك لأن الطلاق وإن كان بإمكان الزوج إيقاعه إلا انه أبيح لأسباب معقولة ومشروعة لا أن يتعسف الزوج في ايقاع الطلاق لأسباب غير معقولة وبسيطة لا ترقى إلى فصم عرى الحياة الزوجية والتعويض عن الطلاق التعسفي يعادل نفقة الزوجة لسنتين وذلك استنادا لأحكام المادة39/3 من قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959.
2.حق الزوجة في نفقة العدة.
3.حق الزوجة المطلقة في استيفاء المهر المؤجل مقوما بالذهب.
4.حق الزوجة المطلقة في السكنى وهو حق السكن في منزل الزوجية بعد وقوع الطلاق لمدة ثلاث سنوات بعد الطلاق بموجب قانون حق الزوجة المطلقة في السكنى المرقم77 لسنة1983.
ثم حقوق الزوجة في القانون العراقي تضمن للزوجة كرامتها وعدم التشرد والبقاء بدون نفقة أو بدون مسكن بما يحقق العدالة.
فرفقًا أيها المجتمع بالمرأة المطلقة؛ فهي لم ترتكب إثمًا ولا عارًا، ولم تأتِ بتشريعٍ جديد، إنما هو تشريع رب العالمين، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130]؛ أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرَّقا، فليُحسِنا ظنَّهما بالله، فقد يُقيِّض للرجل امرأةً تقَرُّ بها عينُه، وللمرأة مَن يُوسِّع عليها وأيضا لم ترتكب خطأ يستحق كل هذه النظرة لها لأنه ليس هي السبب الوحيد في حدوث الطلاق وإنما يرجع السبب إلى الزوج أو إلى أهله أو لأي ظروف قد تجبرها إلى إنقاذ نفسها من هذا العبىء الكبير الذي يقع على عاتقها. لذلك كونوا عونًا لها حتى تظلَّ صابرة على ما كتبه الله عز وجل عليها، ولا تكونوا عبئًا عليها بسوء أخلاقكم.
اضافةتعليق
التعليقات