ربما ليس باليوم الجيد وبالأخص ليلته الكئيبة التي أعادت شريط الأحداث الخبيثة لتغلي دمها وتؤرق روحها أو حتى لتدخلها في نوبة انكسار يغسل قلبها بالخذلان ولتذرف من الدمع ما لذ وطاب ليشفي صدرها من بؤس انكسارها اللامتناهي..
فتاة حلوة الطلة وكتومة، باسمة وصاحبة خُلق جميل بالإضافة إلى ذلك تمتلك قدرة في أن تقع على وجهها من شدّة وجع جوارحها ثم تنتفض وتقف من جديد دون أن يلاحظ أي شخص ما مرت به تلك اللحظات!.
مشكلتها أنها لا تحب أن ترى الشفقة نحوها وكأنها ضعيفة ومنكسرة أو أنها فتاة محرومة من الكثير حتى لو كانت فعلا هي هكذا، ولكنها لا تعترض على ذلك بل إن كل ما لا يروق لها ويفوق قدرتها هو أن تجد نفسها في المكان الذي يؤلمها أكثر من المعقول وتعيش مجاورة لأناس غير محببين لنفسها ويحرقها في الثانية ألف مرّة إنها مجبرة على أن تتعاطى معهم ولكنها إلى اليوم تحاول أن تكون صامدة لا تخشى الكلمة التي تثقب مسمعها أو تفرم أحشاء قلبها إلى أشلاء صغيرة كزجاجة سقطت من بناية شاهقة!.
هي لا تشعر بالعار لأنها تعاني من أمور خاصة غير قابلة للبوح بل تشعر بخزي العار لعدم قدرتها على مشاركتها سوى مع نفسها المهشمة..
المحنة التي تعيشها أثبتت أن الوجع لا يتمثل بعلاقاتها الشخصية مع من حولها بل بنظرة الشفقة والاستهزاء بها كونها ابنة القدر الذي أنجبها ليبرهن أن الطبقات الاجتماعية بدونيتها لا تفي حق ابتسامتها التي تبتسمها فقط لكي لا تشعر بالذل وأنها فتاة تستعار من أصلها..
كانت تحاول باستمرار ولم تقف عند حد معين لكن المشكلة العظمى التي تسيطر عليها هي أنها حساسة كطير أبيض يرفرف على شرفة شاعر ورغم ذلك بقيت جريحة تداوي جرحها من صوب فتجرح من صوب آخر ومازالت مستمرة وتتظاهر باللامبالاة حيث كان يخالط جوفها انهيارات وعواصف وجع تأنّ بدل الدم وكرياته!.
لا يمكن أن نشرح ما كانت تعانيه بل على الأقل فهمنا من هذه الفتاة أن الحياة أعظم من أن يخذلنا حبيب أو صديق، فالظروف أكبر صفعة تقع على رأس الإنسان ليصارع بالدمع والبكاء الصاعق والصريخ بكل ما في القلب من وجدان ليتعايش مع صفعة عمره التي ستبقى مرافقة له ما دامت الحياة وسيبقى العالم أجمع مثل ما هو لا يغير نواياه سوى يوم البعث.
وشعور هذه الفتاة التي كانت تشعر به لا يكتمل إلى أن يحين الليل لتهرب بروحها إلى حيث المجهول تاركة ذاكرتها وقلبها بعاطفته التي على قيد الموت لتتناسى ما حدث في نهارها ولكن يا لخيبتها فإن حتى الليل لا يشفيها لقصر ظلامه ولأنه لا يستطيع مساعدتها سوى أن يحتضنها بين لُبه وقشرته لتفرغ القليل من شعورها المنهك بالألم ولأن ليلة وحدة لا تكفي لوجع يوم كامل.. فكيف بعمرها المختوم بنكهة الخذلان؟!
وبعيدا عن الأمور التي تعيشها ولا تصرح عنها وبغض النظر عما إن كانت فعلا موجعة أم لا يكفي بنظرها أنها كانت تعاني من سكرات الموت وبقيت صامدة قوية وموقنة بالرغم من ما تعانيه أنها ذات يوم سترزق بما يسر خاطرها فالله تعالى يهب بعد العسر يسرا يفيض به القلب فرحة.
فلا أحد يمكنه أن يتحكم بظرفه أو حجم معاناته وانكساره بل من الممكن تقبُل المقسوم والشكر على عطاياه سبحانه حينها فقط سيتبخر الشعور بالألم والموت ليمطر الفرج بذراعين منفرجتين لمعانقة كل روح متعبة كانت تتأرجح بين حافة الليل والذكرى وبين الخذلان ورفاقه، لذا المقاومة هي الخلاص لتتعايشوها مع أيامكم الحزينة فبأضعافها ستنعمون بالهدوء والسكينة مهما طال الزمن الكئيب عليكم، سينجلي ليل أحزانكم وأحزان هذه الفتاة لتشرق الشمس على نوافذكم بابتهاج..
اضافةتعليق
التعليقات