يقال: (إن العقول التي تنشغل بالآخرين تصغر والتي تنشغل بالذات تكبر)، هذه المقولة تعبر بأسلوب سهل ومعنى عميق عن متاهة التفكير وعوائق التقدم لتعزيز التركيز على صغائر الأمور، دون إدراك الأثر، حتى يباغتهم السؤال كيف نجح فلان، ولماذا نحن نراوح في مكاننا؟.
فمن هم الآخرين الذين إذا انشغلنا بهم صغرت عقولنا؟، يظن البعض من يقرأ هذه المقولة يقصد بها فقط الذين ينشغلون بالقيل والقال، والحقيقة هم جزء ممن تصغر عقولهم بسبب حشريتهم الزائدة لمعرفة المشاكل والخفايا وكل ما يدور وراء الأبواب لمن حولهم ونقل أخبارهم.
وكذلك تشمل كل شخص سواء كان قريبا أو بعيد سلطنا الضوء عليه، ربما يكون زميل، صديق، زوجة، أم، أب، أقارب، جيران، حبيب، ووضعنا ليزر الإنارة الفائقة لتتبع حركاته إما بسبب الحب الزائد الذي يصل للتعلق، أو بسبب الحقد والغيرة التي تصل إلى العداوة والبغضاء.
في حالة التعلق المرضي والذي يأتي بدافع الحب يهمل الإنسان ذاته ويعلق أفراحه وسعادته على الشخص الذي تعلق به ويستمد قيمته منه فيرتبط شعور النجاح والسعادة بمدى رضا واهتمام الآخر به، وينشغل ويركز على جميع تحركاته، ويعطي جزءا كبيرا من وقته وتفكيره.
في حالة الحقد والغيرة تجده يتربص بالناس ليشفي غيظه، ويلاحقهم ويتتبع أخبارهم ليعثر على أخطاءهم أو ليتشمت بهم وينتقدهم.
وهناك من ينشغل كثيرا بشريك الحياة ويعيش داخل تراكمات كثيرة من المشاكل والخلافات والصراعات، وهذا الانشغال الزائد بالمخلفات السلبية ينتج مشاكل جديدة وكلما حدثت مشكلة جديدة أصبحت التي قبلها من المتراكمات، فتكون طبقات متكدسة من المواقف والكلام والحكايات، يعيش بفلكهن ويشغل أغلب تفكيره، ويبقيهن محفوظات بعناية في الذاكرة بكل تفاصيلهن المزعجة والمدمرة.
وحين يباغته السؤال كيف نجح فلان؟ ولماذا أنا ما زلت أراوح في مكاني؟. يأتيه صوت من داخله ليلقي أسباب فشله وتأخره على الشريك، غير مدرك أنه هو من يفضل البقاء يسبح في بركة الأفكار المحبطة ولا يرَ جزر وشواطئ الأمان والانتاج والتطور من حوله.
كما تأخذ الذكريات المحزنة والمحبطة حيزا كبيرا من التفكير في أمور أصبحت من الماضي تنسينا الحاضر وتلهينا عن التخطيط للمستقبل.
هذه الانشغالات وغيرها بمستويات مختلفة، تلهي الشخص عن تطوير نفسه وتجعله في دوامة يدور داخلها.
إن الأفكار كالبذور كلما أسقيناها اهتماما وتركيزا نمت وترعرعت بداخلنا وازالتها يحتاج إلى تغيير بالأفكار وايجاد أفكار جديدة بديلة.
أما الذات فهي كيف يرى الإنسان نفسه وما هي قدراته ووفق معرفته لقدراته في شتى المجالات ودرجة ونوع المهارات والانجازات وحجم الأهداف تتكون قيمته لذاته، وكل هذا يتشكل نتيجة فهم الشخص لنفسه وتعامله وانطباعاته مع المجتمع والبيئة.
وهذا التفاعل الكبير والمستمر يجعل الشخص يخطأ ويصيب بحق نفسه أو بحق الآخرين ويتقدم ويتراجع، وكلما زاد تركيزنا على الآخرين قلّ اهتمامنا بذاتنا، ولا ندرك حقيقتها ولا نكتشف قدراتها ولا نطور مهاراتها، فتنعدم النجاحات أو تصبح ضئيلة، وبهذا تصغر العقول.
اضافةتعليق
التعليقات