"والآن إنتهت حياتي التي لم يكن لها بداية".. حين يكسر بالنفس شيء نظن أنه لن يجبر ونبدأ ببعثرة الحروف وترجمتها على هيئة أعصاب أو صمت قاتل يقتل كل ماتبقى فينا وبالرغم من أننا نكتب لكن الحقيقة هي إنه حتى الآن لم نكتب جزءا بسيطا مما نشعر به.
تعصف بنا الحياة فنسقط صرعى حيارى فتأخذنا مدا وجزرا ونشعر أن وجودنا لافائدة منه وبعدها نقرر المغادرة دون أن نخبر أحدا، وربما إن أردنا محادثتهم نترك لهم رسالة لاتتعدى السطر كما ترك البعض رسائل ماقبل المغادرة كان مفادها مؤلما رغم قلة حروفها.
كتب في رسائل ماقبل الانتحار
"انا لست حزين تلك هي عبارتي المعتادة ولكنها كذبة".
"لاتلوموني بل لوموا المرض اللعين الذي أصابني".
"لايهمني الموت لأني لم أشعر بالحياة".
"أمي لاتبحثي عني، فأنا لست في الخزانة ولا تحت السرير، أنا أصحح خطأ انجابك لي فحسب".
وبعدها همّوا بالمغادرة إلى حيث لارجعة ولاتراجع، تركوا جروحا في القلوب لن تشفى، ولكن ماذا لو أنهم قالوا تلك الرسائل بدل كتابتها، ربما كان عناقا من الأم كافيا ليمحو كل مامضى أو أن حبيبا يخبرهم أن الحياة دونهم لامعنى لها، وربما تأتيهم نفحة من الله بسبب دعوة تمحو كل الحزن وتعيد ألوان الحياة..
لمَ نحن مستعجلون بكل شيء لهذه الدرجة ونضحي بأنفسنا فقط لنبرهن للغير أننا نتألم، ما الفائدة من رحيلنا بينما الأسباب باقية، ماذا لو تصرفنا كما نحب، قل إن شئت: (خابت ظنوني بك يانجمي تفضل بالنزول)، وأيضا يمكنك إخبار الجميع أنك لاتفضل اللون الأسود وأن الأسود لايليق بك، وأيضا أخبرهم أنك لم تقرأ لدوستويفسكي وأنك لاتجيد حتى ذكر اسمه بالشكل الصحيح، يمكنك أيضا التصريح بكرهك لرواية الجريمة والعقاب.
وأيضا إن شئت أن تخبرهم بكرهك لبعض الأشخاص _دون تحديد الأسماء_ فاعلن ذلك بملئ فمك، قل أنك لست من مهووسي القهوة مع قراءة الكتب، فلما نربط القراءة بها!.
أخبر الجميع أنك مختلف فعليك أن تدرك أنك لست مطالبا بالحديث عن كل شيء وليس شرطا عليك الركض وراء مايركض إليه العالم، لاتترك أشياءك التي تحب وتتبع مايحبون وفي النهاية تغط في حزن عميق ثم تقرر المغادرة لأنك لم تعد تطيق حياتك، بينما الحقيقة أنك في هذه الأثناء كنت تعيش حياة الآخرين وتاركا كل ماتحب فقط لتساير المجتمع أو لتباهي بنفسك أنك تحب الأشياء المعروفة رغم أنها اشتهرت دون سبب يثير الاهتمام!.
تعلّم دوما أن لاتخبئ رسائلك حتى المغادرة بل أخبر المعنيين بها فلعلها رسائل تنقذك من قعر الجحيم بينما أنت تظن أنها الحل الوحيد، لاتدعها تطوى أبدا تحت الوسادة ولا خلف الكتب ولاحتى في الخزانة بينما مكانها الحقيقي هو فمك، فأعلنها الآن واصرخ بملئ حنجرتك أنك مختلف أو أنك تتألم وأنك حزين وبحاجة لعناق طويل من أقربهم إليك.
لاتقلد ولا تكتم فكلاهما أعمى يسير دون عصاه ويتأمل من المارة مساعدته دون أن يفصح عن حاجته للمساعدة، قل وداعا لمن يقتصر خيرهم على البدايات ويضمر شعورهم بمجرد الامتلاك، عندما يكون الفارق الزمني بين رسائلك والرد عليها كافيا لقراءة كتاب قل لهم وداعا فقلوبنا ليست وقت فراغ أو احتياط لكم، وأخبر قلبك إن وعى أن كل شيء له نهاية ونحن من يمكننا تحديدها لكن ليس نهايتنا بل نهاية كل مايؤذينا.
لاتقاوم حزنك، توقف قليلا واجهش بالبكاء، ثم عد للعالم وكأنك خلقت من جديد، وبكل وضوح علينا الصراخ بوجه الظلم، الحزن والخوف، فغدا آت لامحال ونصيبنا من الضوء سيمنحنا الله إياه حتما حتى لو كنا وسط الظلام، قال تعالى: ((فإن مع العسر يسرا * ان مع العسر يسرا)، فإن الله عز وجل كرر وعده باليسر بعد العسر مرتين وهل هناك أوثق من هذا الضمان؟!.
اضافةتعليق
التعليقات