يوماً بعد يوم، تدهورت صحته ونحل جسمه وضعف بدنه، صار يسحب قدميه في الطريق بصعوبة، نسي عادة الاستحمام اليومي، لم يدخل البيت الا لقضاء حاجته، او لإعداد طعامه، عاش اخي في هذه المدة شبه مشرد، يرفض المبيت داخل البيت، لم يعد يأكل الطعام الذي نضعه امامه.
ماذا اصاب أخي؟ لماذا هو حزين هكذا؟
قبل سنوات، أتذكر أخي جيداً، كان عندما نبحث معه او نناقشه يغضب اذا لم نقبل برأيه ونرفض فكرته.
وكان دائماً يحب ان يكون هو في صدر المجلس ولا يقبل ان يمشي احد امامه وإن كان كبيراً في السن، واذا تقدمنا عليه نراه يضطرب في مشيته حتى يتقدم على الذي امامه ويصبح في الصدارة.
وايضاً عندما يحدث نزاع بينه وبين عائلتنا كان لا يبادر الى الصلح ودائماً ينتظر ان يعتذروا اليه.
ومن صفاته كان لايجالس من هو ادنى منه في المستوى المعيشي واقل منه ثقافة واضعف منه قوة ولا يستجيب لدعواتهم بل يجلس مع اصدقائه من الطبقة الثرية.
كانت قراراته صارمة ولا مجال فيها للنقاش، ويستحقر من يعمل تحت يديه من خدم وعمال.
فقررت ان اجلس معه ونحاول حل المشكلة التي يواجهها، فبدأت الكلام بتذكيره بالماضي وان لا ينسى الانسان اساسه بأنه من نطفة نجسة، قال امير المؤمنين عليه السلام "عجبت لابن ادم اوله نطفة واخره جيفة ثم قائم بينهما وعاء للغائط ثم يتكبر".
وإن كل ما نملك من قوة وجمال ومال سيتلاشى ويذهب، ينقل ان نبي الله يوسف ذات مرة رأى نفسه بالمرآة فقال لو كنت غلاما كم اسوى يعبر عنه القرآن فقد شروه بثمن بخس.
فالاسلام نهى عن التكبر والتصاغر كما ان علماء النفس يرون المتكبر هو الحقير في نفسه الصغير الذليل فتتحول هذه الصفات الى التعجرف.
قال الامام الصادق عليه السلام: "ما من رجل تكبر أو تجبر، إلا لذلة وجدها في نفسه".
قضاء حوائج الناس وتناول الطعام على الارض مع الخدم كلها سبل تعلم الانسان التواضع.
ومن اهم نقاط التواضع هو التواضع لله، بأن نقبل احكامه من غير جدال، والتواضع لكلام الزهراء عليها السلام حيث قالت "والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر" التكبر عدو العبودية، تقول سيدتنا الزهراء إن السر وراء تشريع الصلاة للعباد هو إنقاذ الناس من براثن التكبر، والنقطة هنا طريق التقرّب إلى الله أساساً بل السبيل الوحيد لبلوغ السعادة الأبديّة يكمن في العبودية، المتكبّر لسان حاله يقول: إنّني عظيم جدّاً ولن اُطأطئ رأسي لأيّ أحد مهما كان! فإذا تحوّلت هذه الصفة في النفس إلى ملَكة فسوف لن يكون المرء على استعداد لأن ينحني حتّى أمام الباري عزجل.
التكبر كان العامل الرئيسي الذي تسبب بطرد ابليس، وهذا هو عين المرض الذي كان يشكو منه إبليس والذي تسبّب في لعنه وطرده من رحمة الباري عزّ وجلّ بعد ستّة آلاف سنة من العبادة.
فقد كان غارقاً في العبادة إلى درجة أنّه لم يكن يختلف عن باقي الملائكة في شيء، ولهذا فقد شمله الأمر الموجّه إلى الملائكة بالسجود أيضاً، لكنّه رفض السجود قائلاً: أنا خير منه.
آه يا أختي لقد تجرأت على عالم جليل أهنته فرد علي بإحسان، تماديت أكثر فأعرض عني بابتسامة ودعا لي بالهداية ومنذ تلك اللحظة وأنا لست أنا، حطمني دون أن ينطق بكلمة، غلبني بتواضعه وجعلني أعيش بعذاب وتأنيب الضمير، من أنا؟ لا شيء لن أتطاول على أحد ما حييت.
اضافةتعليق
التعليقات