صوت طفلي الرضيع يدوي في المكان وصرخاته المتتالية تمزق وتيني وتلك المتماهلة لاتأبه له!، صرخت عليها بصوت عال علها تستمع لوقع بكاءه، لاجدوى، ذهبت نحوها الى المطبخ، استدارت نحوي قائلة: مابك!، لم اتمالك نفسي حتى صفعتها فوقعت ارضا، صرخت في وجهي قائلة: انت مريض نفسي.. لافائدة منك، لم اعد اطيق العيش معك، هرعت نحو الغرفة تجمع ثيابها ومازال طفلي يبكي وهي لاتأبه مما زادني غضبا، كيف لقلبها ان لايرق لقطعة منها، وقفت امامي طالبة الطلاق ودون وعي نطقت تلك الكلمة ..فمن لاتأبه لطفلها لن تخلص لزوجها .
خرجت تاركة اياي والطفل.. هل حقا ذهبت؟ عدت ادراجي نحو طفلي انحنيت لألتقطه من الارض، يال حزني عليك وانت تملك اماً مثلها، اعدك انها لن تعود بعد الان فأنت ارق من ان تكون ابن لقاسية مثلها، اسندته على كتفي وانفاسه الدافئة كأنها قيثارة ترنم تراتيل السماء نحوي، وبشرته الناعمة تداعب وجهي، آه ياطفلي كم انتظرت لأحصل عليك ...
وضعته على السرير وعدت لأجلس علـى مقعدي المتحرك، انظر لباب الغرفة، هل ستعود زوجتي هل اخطأت في حقها لأبتسم (كيف لي ان اشحذ وداً بارداً واسأل وصالاً متكلفاً، وارنو إلى وهم.. لأنتظر مجيء ما لا يجيء).
اغمضت اجفاني وهلة كأني ارى صغيري بلباس ابيض امامي يا الهي مااجمله لكن لما يبتعد !
اين تذهب بني صرخت وراءه لايجيب، استيقظت وانفاسي متقطعة (بني)، رأيته جانبي، الحمد لله انه هنا، الباب يطرق لا اود فتحه فقد كرهت من يدخلون مرتلين علي التعازي وعلى من لا اعلم، هم محض مجانين لايفقهون مايقولون، ثم تلاه رنين الهاتف، ماهذا الازعاج، قمت بجسد متكاسل نحو الباب لأفتحه، انه اخي دخل والقى علي التحية .
جلس بجانبي، وضع يديه على كتفي كأنه يواسيني او ماذا لا اعلم، ثم قال: كيف حالك الان؟
-انا بخير لَـكِنْ مابك انت.. ماهذا الحزن في عينيك .
رد علي قائلا: اشتقت لأبن اخي الصغير كنت احلم كيف سيكبر ويكون صديق لعمه ..
_مابك اخي مازال هنا.. وكأنك تتكلم عن غائب لايعود!.
رمقني بنظرة استغراب ثم قال: ماتقصد يااخي قد مر اسبوع على توديع ابنك ليصبح طيرا من طيور الجنة و يغادر ارض الفتن .
اشتد غضبي منه، انه يتكلم بما يقولون ويبتدعون الاحاديث عن وفاة ابني، اذن من الذي ينام في الداخل!.
قبضت على يديه واخذته نحو الغرفة وقلت: انظر انه ابني، هو نائم، مابكم تتحدثون عن موته وهو على قيد الحياة وانفاسه تعطر المكان، رمقني بنظرة حزن وسالت دمعة على وجنتيه، مابه لم اطق تحملا لأفعالهم الغريبة، صرخت في وجهه طالبا منه الخروج..
وضعت رأسي بجانب طفلي الصغير، استيقظ بأبتسامتة الساحرة، آه ياطفلي ابتسامتك حياة.. اتعلم يابني انهم لايفقهون، حين يكون الماء بيدك والجفاف في صدرك، حين تكون النجاة في جسدك والغرق في قلبك، حين يكون النور حولك والظلمة فيك.. لايفقهون وجودك لي هو الحياة هم يرتلون التعازي على روحك وينعتوك بالميت وانت حي وهم الموتى، انت من بينهم جهتي الخامسة، وكفي الثالث، انت قلبي الثاني، انت الامل في ظل عواصف الكون..
طرق الباب مرة اخرى.. جرس الباب يرن بشكل لايصدق، بدأ طفلي بالصراخ، صرخت لتتداخل الاصوات برأسي، خرجت، انه ابي وعاد معه اخي، مابك لما عدت، ابي تفضل، اعتذر فطفلي يبكي سأعود حالا، امسك والدي بيدي قائلا: مابك هل جننت.. ابنك مات عن من تتكلم !!
-ابي مابكم كفاكم تنطقون بالسوء وتتمنون الموت لطفلي، صرخت بوجه ابي ولم اشعر سوى بالحرارة لقوة صفعته، ثم شد بيدي نحو الغرفة وقال لي: انظر اي طفل تتكلم عنه، اين الطفل!، انظر في ارجاء المكان، فعلا اين طفلي، بدأت اصرخ بشكل فوضوي ودموعي غمرت عيناي، جلست على الارض باكيا، لا احد يشعر ببراكين الالم داخلي، هل حقا غادر طفلي الحياة، كان مجيئه مجيء السلام الى قلبي، كان النظر الى وجهه كفيل بأن تبهت جميع الوجوه، غادر ابي تاركا اياي في صدمة افاقتني لواقع مرير، فمنذ اسبوع وانا اسكن تخيلاتي وارنو لأصوات ليس لـها وجود..
بت وحيدا.. وضعت رأسي بين ركبتي وبكيت بحرقة فلا احد يسمع، ففي مجتمعي بكاء الرجل ضعف لَـكِنّ طفلي جعلني واهن القوى وفراقه كان موتا وانا على قيد الحياة، ثم شعرت بدفء يد صغيرة تربت على كتفي وصوت طفل يهمس بأذني (وداعا بابا).. استدرت، طفلي اين انت، هل غادر فعلا!، جلست وحيدا تلك الليلة، علي ان استعيد نفسي التي فقدتها بفقدانه واصغي لأحاديث ذاتي، علني استطيع ان اعيد تصحيح ما افسدته في ظل حزني ..
اتصلت بزوجتي فهي لاذنب لـها، ووقع الالم على قلبها ربما كان اشد فهي (اُم)، فتحت علي الهاتف لكن لم تجب، بادرتها الحديث:
-تعالي لنلتقي ثانية كغريبين او كعصفورين فرقهما غصن قُطع وربما كرفقاء طريق سفر.. حبيبتي لنتعارف مجددا.. ربما سننجح بشكل ما.. فحقاً انا اعتذر، سأكون شجرة لكِ فماضرك لو سامحتني على هيئة مطر ..
ثم بدأتُ طريقي من جديد.. ان الله لا يتخلى عن الذين يبحثون عنه في الزحام، وان كنا في ظل الحزن او المصائب علينا التأني والعودة الى الله تعالى، فكل شيء من عند الله هو في مصلحة الانسان، حيث ذكر تعالى في محكم كتابه:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ سورة البقرة (١٥٥-١٥٧).
اضافةتعليق
التعليقات