رغم انحناء ظهرها ومرضها المزمن الذي أنهك قواها ما زالت جارتنا أم عباس تنهض كل صباح يوم أربعاء لممارسة طقوسها المعتادة في اشعال مبخرتها لتبخير حجر بيتها حتى تنبثق نفحات الدخان المتصاعد إلى بيتنا المحاذي لبيتهم.
وحينما سألتها عن السبب اجابتني: ان تبخير البيت بالحرمل يمنع دخول الشر ويطرد الحظ النحس, كما لام سبع عيون التي اعلقها قبالة باب الدخول للبيت دورا رأسي في طرد عين الحاسد.
عادات وتقاليد
العديد من العادات والتقاليد مازالت عالقة في اذهان المجتمع وتعد جزءاً من الموروث الشعبي المتداول, حتى وان تطور الزمن واخذ صورا حضارية متعددة, يظل الطابع التراثي يتصف بنكهته الجميلة والاصيلة.
ومن تلك الموروثات المستخدمة لتجنب الحسد هو تعليق تعويذة (ام سبع عيون) على واجهات المحلات والبيوت وحلي النساء والاطفال, وايقاد مبخرة الحرمل.
فلم تكن ام عباس الوحيدة التي تنصاع لتلك التعويذة والتعلق بها, بل هي تستهوي الكثير من النساء بنسبة اعلى من الرجال.
كان لـ (بشرى حياة) جولة استطلاعية حول هذا الموضوع:
بدايتنا مع ابو امنة حيث قال بيقين لا مناص منه: "انا اؤمن بها جدا لربما اكثر من زوجتي, لهذا كثيرا ما اطلب منها تبخير البيت بين حين واخر, كما اني ابتعت تعويذة ام سبع عيون وعلقتها في البيت واخترت واحدة اخرى على شكل مدالية انيقة لوضعها في سيارتي".
وتناقضها الرأي الاعلامية نجلاء جبر حيث قالت: "بالرغم من وجود الحسد بالقرآن الكريم وروايات اهل البيت (عليهم السلام) الا إني لا أؤمن بزوال الحسد بالحرمل او سبع عيون".
واضافت: "اني اعتبر هذه الطقوس جهل وتخلف, مع احترامي لبعض الطقوس الدينية, كما اني ارى ان القرآن وقراءته في البيت, هي التي تقوم بإزالة الحسد او السحر او ما شابه, فالقران هو الشفاء والمعجزة, لهذا استنكر من يلجأ إلى بعض الخرافات العجيبة, كالسبع عيون او الحرمل وغيرها".
ومن جانب اخر قال جاسم المكصوصي: "بالرغم من ما وضعه القرآن الكريم من حلول لهذه الامور مثل الحسد وغيرها, الا ان بعض العوائل مازالت تؤمن بهذه المعتقدات ليقينهم بها, وهذا ما يعكس لهم صحتها".
واضاف: "بغض النظر عن عملها, فأنها اصبحت جزءاً جميلا من تراث يمتد لآلاف السنين واستمرارية وجودها يثبت أصالة جمال التراث العراقي".
فيما قالت زينب عبد الله: "من طفولتي وانا ارى تعويذة ام سبع عيون على عتبة بابنا, الا اني كنت اجهل سر تعلق امي بها والاصرار على تعليقها, فضلا عن استخدامها الدؤوب لمبخرة الحرمل, لم اسالها يوما ان كانت تفي بالغرض ام لا, الا انها اخبرتني ذات مرة ان والدتها ايضا كانت تصنع الشيء نفسه, اعتقد إن الايمان بالشيء يجعلنا نتشبث بهذه الموروثات اكثر ونتوارثها".
في ادلى احمد الركابي موظف رأيه قائلا: " شخصياً, لا اتفاعل مع هذه الامور ولا اشجع عليها ولا استطيع نفيها رغم عدم ارتياحي لها.
لكن اعتقد انها وصفات يستخدمها المختصون للتأثير في بعض الاشياء, ولعل اكثرها يدخل ضمن تحضير الجن والغيبيات والارواح وغيرها".
واضاف: "هنالك عوالم واسرار اخفاها الله عن اكثر عباده ولا يعرفها الا المختصون, البعض يستخدمها بحرفية تامة, والبعض لا يعرف عنها شيء سوى التكسب والاسترزاق.
لهذا اصبح من الصعب التنويه إن كانت هذه المعتقدات واهية ام حقيقة لابد ان نؤمن بها, خصوصا اني لم اطلع على رواية لأهل البيت (عليهم السلام) تأكد هذه التعويذة".
ويشير ابو عادل صاحب محل عطارة مختص بهذا الجانب بقوله: "ان الحسد مذكور في القران كما ان هناك روايات متداولة عن الحسد وان عين الحاسد تفقع الحجر وما الى ذلك لهذا ارى ان هذه التعويذة هي حقا تساعد على تجنب العين, وبحسب الدراسات الحديثة وجدوا ان اللون الازرق له قابلية على امتصاص الاشعة المنبعثة من العين وتشتيتها وجعلها غير فعالة, لهذا اختيرت تعويذة ام سبع عيون بطلائها بهذا اللون, وهناك سلوكيات اخرى لتجنب الحسد كانت تستخدم في الماضي منها كتابة التعاويذ والطلاسم وتعليقها في الاماكن والبيوت".
وواصل حديثه: "وهناك اساليب اخرى كالتبخير بالحرمل وهذه عادة مشهورة جدا ومستخدمة الى يومنا هذا, حيث تقوم صاحبة الدار بشعل النار في صحن ورش الحرمل عليها وتمريرها في مختلف اماكن الدار اعتقادا بان هذه العملية تطرد الارواح الشريرة وتجنب العائلة من الحسد حسب اعتقادهم".
رؤية شرعية
وشاركنا الشيخ عبد الكريم هادي الحمداني برأيه حول هذه الطقوس الموروثة قائلا: "ان ام سبع عيون هي موروث قديم يرجع الى ازمنة قديمة تنسب الى البابليين وغيرهم اذ يعتقدون بان اثر العين (كالضوء) يتحلل الى سبعة اطياف ( صحيح علميا) وان ام سبع عيون تبطل الحسد بتحليل نظرة العين الى سبعة وبذلك يزول الشر والحسد".
واضاف: "وهنالك ما يسمى بالخضرمة وتمثال راس الوعل وقد تستخدم غيرها حتى الخف يعلق غالبا في المزارع, للغرض ذاته وهو ابعاد عين الحاسد.
اما الحرمل، فهو ممدوح في السنه النبوية وقد وردت أحاديث تحث على استخدامه لطرد الشياطين وابطال الحسد, والمس, والعين, والهموم, والمشاكل, وجلب الملائكة, والود العائلي وان هنالك ملائكة موكلين بورقه وبذوره, ويستعمل وفق طقوس معينة في اوقات محددة بالأغراض المرجوة, كما يستخدم الحرمل لعلاج العديد من الأمراض كعرق النسا والحالات النسائية وغيرها".
اضافةتعليق
التعليقات