نستطيع ان نقول بأن الابداعات والطرق العصرية التي توصل اليها العالم في صناعة الزجاج يعود فضلها الأكبر الى البقايا الأثرية التي وجدوها الزوار ومكتشفو الاثار في مناطق معينة من العالم، والتي خلقت خلفية مهمة لتطوير هذه الصناعة والتوسع فيها بشكل اكبر.
واعتبرت سوريا من اكبر المراكز المهمة في صناعة الزجاج، وعلى وجه الخصوص في مدينتي حلب ودمشق، واعتبر ابن بطوطة في زيارته لسوريا سنة 700هـ/ق بأنها اهم مركز لصناعة الزجاج، ولم تقتصر هذه الصناعة على سوريا فقط، بل توسعت ايضاً لتشمل مصر والعراق وبلاد الاندلس.
وقد ورث المسلمون صناعة الزجاج من الروم، لتستقر هذه الصناعة وتنتشر بشكل كبير في سوريا ومصر، فتوسعت هذه المهنة وزاد التقبل عليها، وتطورت بشكل كبير من ناحية التصميم والابداع والطرق العصرية.
ولقد صنع المسلمون القدامى أنواعًا كثيرة من الأواني الزجاجية، فوصلتنا مجموعة مختلفة الأشكال التي ترجع إلى القرن الثاني أو الثالث الهجري. فهنالك آنية زجاجية ترجع إلى القرن الثالث الهجري، وإبريق زجاجي مصنوع بالطريقة الرومانية يرجع إلى القرن الثاني الهجري عصر الدولة العباسية، وقدر مزخرف بطريقة "الإضافة" في مصر الفاطمية خلال القرن الخامس الهجري.
واشتهرت مدينة سامراء بشكل كبير في صناعة الزجاج خصوصاً في استخدام الاواني والقوارير الصغيرة الصالحة لحفظ العطور، فكانوا يقومون بصنعها بشكل كمثري وبألوان خاصة، كالأخصر والأزرق، ومضلعة الاطراف.. وكانت تتميز هذه الانواع ايضاً بثقلها عن الزجاج الاعتيادي.
وتم ايجاد قطعة اثرية في سامراء تعود الى القرن الثالث للهجرة، اما في قرطبة/اسبانيا فقد برع عباس ابن فرناس طريقة احترافية في تقطيع الزجاج والذي ساهم بصورة كبيرة في تطور هذه الصنعة والابداع في تصميماتها اكثر.
كما برع المسلمون في صنع المشكاوات، وذلك لإضاءة المساجد والمنازل وخلافه، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم: {اللهُ نُورُ السَّمَأوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور: 35]، وقد وصلنا عدد من المشكاوات المملوكية العصر المموهة بالمينا والمزخرفة بكتابة النسخ وكذلك عليها زخرفة نباتات.
واستخدم العرب المسلمون الزجاج في زخرفة النوافذ أيضًا، حيث برعوا في صناعة الزجاج المعشق في الجص. وتمر هذه الصناعة بعدة مراحل، بداية برسم الوحدات الزخرفية على الجص، ثم تبدأ مرحلة التفريغ أي التخريم لهذه الوحدات المراد تعشيقها بالزجاج. وأخيرًا تبدأ مرحلة تركيب القطع الزجاجية المختلفة الأحجام والألوان من الخلف وتثبت بالجص السائل.
وما زالت هذه الطريقة المتوارثة تنتج لنا لوحات زخرفية متنوعة الأشكال تُشع من الضوء حالة من البهجة والإبهار، ويبدو ذلك جليا في نوافذ العمائر الإسلامية المختلفة. كما استخدمتها الكنائس في مصر أيضا للتزيين وصناعة النوافذ الجميلة الملونة. كما استخدم المسلمون الزجاج في عمل زخارف الفسيفساء، ويظهر ذلك بوضوح في الجامع الأموي بدمشق الذي تضم زخارفه مناظر طبيعية بديعة، وتعتبر فسيفساء هذا المسجد أقدم نموذج للفسيفساء الزجاجية الإسلامية بعد قبة الصخرة.
اضافةتعليق
التعليقات