تراكضت الفتاة نحو بقالية الحي مسرعة، كانت أنفاسها لاهثة؛ قد توردت وجنتاها و كادت دقات قلبها تسمع من شدة الخفقان .
بدت جديلتاها المتدليتان على كتفيها تشع بريقا خافتا غامزا تحت أشعة شمس الربيع المتغازلة .
قالت بصوت طفولي رقيق :
ياعم!
ياعم!
التفت لها البقال المنشغل بمتابعة التلفاز من نهاية الدكان الصغير المحشو بالبضائع التي سدت مسد الطريق المؤدية إلى الداخل:
ماذا هناك يا صغيرتي؟! ماذا تريدين؟
أجابت بذات اللحن الطفولي:
أريد شراء معجزة! هل لديك معجزة لأبتاعها؟!
نظر لها الرجل باستغراب في الوهلة الأولى ثم ضحك باسما:
لا يا عزيزتي، لا أملك معجزة لأبيعها .
خفت بريق الأمل في عينيها، ثم راحت تنظر باحثة في أدراج الدكان المتكدسة بغريب الصنوف و الأغراض المتنوعة، ثم قالت:
ولكن هناك شيء في رأس أخي الصغير يكبر كل يوم و ابي يقول لا ينفع معه سوى المعجزة. سوف يشرف على الموت قريبا.
لاحت مسحة الحزن في محياها البريء فغابت في طياته لثوان .
فجأة أحست بكف ملكوتية تمسح على رأسها من الخلف و صوت احتضن حيرتها:
أرني نقودك يا ابنتي!
أجل!
أجل!
إنها كافية، أنا أملك معجزة سأبيعك إياها، إذهبي بنا نحو المنزل .
لم تعد جديلتاها ساكنتين بل راحتا تتقافزان بابتهاج على كتفها الصغير كتمرد الغزلان و هي تركض مهرولة نحو البيت .
كان الرجل بروفيسورا جراحا في الجملة العصبية؛ ذاعت صيته في الآفاق و اخترقت المدارج الرحبة.
طرقت الباب و هي تصيح :
ابي أين أنت؟
أمي تعالا!
لقد اشتريت معجزة! هذا الرجل يملك معجزة !
سرت الفرحة في كل مسام الجدران و البيت و الدهاليز و تعالت ضحكات أمها التي ذابت و جنتاها و قد أحاطت عيناها هالتان سوداوتان لم تفارقها منذ زمن .
أما والدها فقد بدا بصورة لم تعتدها منذ زمن.
بسمته هذه المرة ليست كالبسمة، كانت وليدة ضحكة بعد مخاض طويل؛ ظهرت انعكاساتها على جفناته المتورمة .
تكفل البروفيسور (مجيد سميعي) بإجراء العملية تبرعا دون تكاليف و قد تماثل الصغير للشفاء يوما بعد يوم؛ بعد أن برء من علته الخبيثة .
هذه الخاطرة يذكرها الدكتور (ارنست گروب) الرئيس الأسبق لمستشفى (هانوفر) الألمانية في مؤتمر علمي رفيع المستوى .
هناك صنف من البشر، ليس لهم من البشر سوى الهيكل، أما أرواحهم تحوم منشغلة مع الملائكة، إنهم أمة في فرد كالنبي ابراهيم (ع) الذي وصفه الله عزوجل يقوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا).
اضافةتعليق
التعليقات