استيقظتُ من نومي فزِعاً على صوتِ صراخٍ لم أميّزه، ما الذي يجري صوتُ من؟!
هذا الصوت صادر من عند جيراننا، لأذهب وأرى ماذا هناك!!
أحمد أحمد، أينك؟ ما الذي يحصل يا خالة؟
أحمد لم يعد هنا يا ولدي، لقد أخذوه..
من؟ ماذا حدث يا خالة؟
جاءوا وطرقوا الباب بعنف ياولدي، فتحوه وهجموا وسط الدار ينادون على أحمد، خرج إليهم فضربوه وأخرجوه معهم، لا أعلم لماذا يا ولدي. قلبي يعتصرُ ألما، ولا أدري ما أفعل، أين ذهبوا بولدي، ما الذي سيفعلوه به؟!
آهٍ يا خالة، ساعد الله قلبك، سأتابع الأمر ياخالة وأخبرك بما أحصل عليه من خبر.
حزِنتُ لحال هذه المرأة الطيبة، لماذا يحصل ذلك، أحمد شاب طيب ولا يظلم أحدا ولا يعتدي، لمَ كل هذا الظلم الذي يحدث؟
ما بين المدة والأخرى يتعرض شخص للظلم والأذى، ولا أرى من يقف بوجه الظالم ويحاسبه، بل الناس هي من تصنع الظالم وتجعله يطغى بتصرفاتهم ومعاونته ليزداد ظلما.
فمن أجل أن يظهروا بصورة حسنة أو يبينوا لهذا الظالم أنهم مخلصون ينقلون له الأخبار المغرضة ويشحنوه لينال ممن خالفهم الفكر والتوجه فلا يهم إن كان هذا الشخص بريئاً أم لا، المهم أن يجدوا شخصاً ويقدموه لأميرهم كبشاً.
ولو أنّ الحكام أرادوا العدل وأرادوا رضا البارئ لما قبلوا بالحواشي المرائية المتملقة.
لذا يشير الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيته لعبد الله النجاشي عندما طلب نصيحته في الحكم بعدم تقريب أهل هذه الصفات منه فيقول له:
"إِيّاك والسُعاة وأهل النمائم فلا يلتزقن منهم بك أحد، ولا يراك اللّه يوماً وليلة وأنت تَقْبل منهم صرفاً ولا عدلاً فيسخط اللّه عليك ويهتك سترك."
فما أكثر ما شقّوا علينا، وهم موجودون في كل مكان، في المؤسسات والدوائر وغيرها.
وما يقومون بذلك إلّا لضعفٍ في شخصيتهم، وفراغ فكري يُهيمن عليهم.
فيركنون للانشغال بحياة غيرهم، ونقل الأحاديث الكاذبة، والتملق لمن يرون أن لديه مكانة بنظرهم ليتقربوا منه.
وهذا ما أصاب أحمد منهم، فمن أعان الحاكم على ظُلم أحمد وأذيته، هل يستطيع أن يظلم لو كان لوحده، ورفض الجميع ظلمه.
ولكن هيهات فهم بعيدون عن نهج العدالة، عن سادة الخلق. وجهِلوا ما أوصى به خلفاء الله في أرضه، الذين أوصى باتباعهم والأخذ عنهم.
ومنها ما نَقل أستاذ العلماء الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) عن جده أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال، "وقَد لَقِيَهُ عِندَ مَسيرِهِ إلَى الشّامِ دَهاقينُ الأَنبارِ، فَتَرَجَّلوا لَهُ واشتَدّوا بَينَ يَدَيهِ فَقالَ: ما هذَا الَّذي صَنَعتُموهُ؟ فَقالوا: خُلُقٌ مِنّا نُعَظِّمُ بِهِ اُمَراءَنا .
فَقالَ: وَاللّهِ ما يَنتَفِعُ بِهذا اُمَراؤُكُم، وإنَّكُم لَتَشُقّونَ عَلى أنفُسِكُم في دُنياكُم، وتَشقَونَ بِهِ في آخِرَتِكُم. وما أخسَرَ المَشَقَّةَ وَراءَهَا العِقابُ، وأربَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الأَمانُ مِنَ النّارِ ."! نهج البلاغة: ج18، ص 156.
فلا يكون الظالم ظالماً إلا إن أعانه من حوله على الظلم، وما انتشر الظلم وكان إلّا من الطمع وضعف النفس وحب الذات المتعلق بالدنيا الذي يجعل المرء يفعل أي شيء لينال حظاً من الدنيا.
اضافةتعليق
التعليقات