معظم آلام البشرية هي آلام نحن نتسبب بها لأنفسنا، لأننا نرفض كبح جماح سيطرة العقل على مجرى حياتنا بشكل أو بآخر، نوع من عدم القبول أو عدم الرضا ونوع من المقاومة غير الواعية للآلام.
هي على المستوى الفكري، المقاومة تتخذ شكل إصدار الأحكام على المستوى العاطفي فالمقاومة هي ضرب من ضروب السلبية، وهكذا فجدية الآلام تعتمد على درجة المقاومة للحظة الحاضرة، وهذا يعتمد بدوره على مدى التوافق والتوأمة مع عقلك، العقل يبحث دائماً عن وسيلة لنكران الآن والهروب منه.
بكلمة أخرى، كلما كنت أكثر انصياعاً للعقل، كلما توجعت وكلما كنت قادراً على احترام وتقبل الآن كلما قل إحساسك بالآلام والوجع، لأنك هكذا تكون قد تحررت من أنانية العقل أكثر.
هناك روحانيون يقولون إن الشعور بالألم هو في الأغلب الأعم، شعور خداع إنها الحقيقة إنما يبقى سؤال هل أنت تعتقد أن هذا القول هو فعلاً حقيقة؟ مجرد المعرفة لا تجعله حقيقة، هل تريد تمضية بقية حياتك متقبلاً الألم وتقول هذا مجرد خداع؟ هل هذا الاعتقاد يخلصك منه؟
إن اهتمامنا المشترك الآن هو كيف تضع تلك الحقيقة في موضع التنفيذ - وهذا كله معتمد عليك وعلى تجاربك الجد خاصة.
حتمية الألم قائمة طالما أنت مرتهن للعقل، الذي يجعلك تتصرف بلا وعي، أنا هنا أتكلم عن الآلام النفسية والعاطفية التي هي السبب الرئيسي للعديد من الآلام الجسدية والأمراض العضوية منها القلق والحقد والإحساس بالذنب أو الغضب أو الإحباط أو الغيرة، وما شابه، كل هذه الأحاسيس هي شكل من أشكال الألم وكل لذة، أو لذة انفعالية تحتوي ضمن ذاتها بذرة الألم، لأنها غير منفصلة عن بعضها البعض.
هناك نوعان من الألم، ألم مستجد وألم كان في الماضي وما تزال أصداؤه ترافق مسيرة حياتك اليومية.
طالما أنت غير قادر على العيش في الآن، فأي ألم عاطفي سبق وأصابك في الماضي، سيبقى معك وكأنه حاصل الآن إن ذكراه ستطفو على وجه الحياة، ويصبح صلة وصل بين العقل والجسد هذا بالطبع يشمل معاناتك أيام الطفولة معاناتك التي سببها لاوعي الآخرين لك الآخرين الذين عشت وسطهم منذ ولادتك.
تراكم الألم هو حقل طاقة سلبي يشغل عقلك وجسدك. إن نظرت إليه نظرة واقعية لوصلت إلى مقاربة حقيقة نوعه: إنه الألم النفسي أكثر منه الألم الجسدي.
هذا النوع من الألم ينقسم - بحد ذاته - إلى نوعين مقيم إلى حد ما، وبنسبة تتخطى الـ 90 % من الزمن في جسدك، تاركاً آثاره عليك جسدياً ونفسياً، فيجعلك تتطلع إلى السعادة، وتحلم بالوصول إليها يوماً ما، قد يتحول هذا الألم إلى ألم فعال ملازم لك ليل نهار حتى أن هناك من يعيشون آلامهم الماضية وكأنها تصيبهم اليوم، ولم لا طالما أن الماضي مقيم فيك؟
قطع الصلة مع أوجاع الجسد، أوجاع الجسد ترفض أن تكون تحت سيطرتك المباشرة، لتتعرف إلى حقيقتها، لأنك فى اللحظة التي تتمكن فيها من السيطرة عليها، من خلال تركيز الاهتمام تكون قد تعرفت إلى كيفية القضاء على حقل طاقتها، وتكون قادرا على قطع أي صلة معها.
تشعر بفيض كبير من الوعي أو الإدراك، دعني أسميه الحضور. الآن انت الشاهد أو المراقب لوجع الجسد، وهذا يعني أنه لم يعد قادراً على استغلالك، ولا الادعاء أنه لك، ولن يستطيع التوسع من خلالك لقد وجدت قوتك الداخلية.
بعض آلام الجسد غير مستحبة، لكنها غير مؤذية كالطفل الذي تعود أن يبكي، وبعضها مؤذ ومضر وكأنه عفريت حقيقي مقيم في ذات الإنسان المريض لمثل هذا المرض أنواع كثيرة منها الجسدي ومنها العاطفي، المقربين إليه وجعلهم ضحايا الأفكار والأحاسيس تتحد معاً لتشكل طاقة سلبية مدمرة للذات ولا عجب إن عرفنا أن بعض الآلام تدفع أصحابها إلى الانتحار، هناك من يريد الانقضاض على من هم حوله، التأكد من عدم وجود أية إشارة تدل على عدم سعادتك إفعل ذلك بأي طريقة تراها مناسبة قد تظهر هذه العوارض فجأة متخذة أشكالاً عدة، مثل اليأس أو التذمر أو المزاج المتعكر أو الرغبة في أذية الآخرين، أو تقطع علاقتك بأحد أصدقائك بأسلوب درامي. إنتبه عليك أن تكون يقظاً لتتمكن من السيطرة على حالتك النفسية.
الآلام هذه تبغى الاستمرار في الحياة، كأي شيء في الوجود، لكنها لا تقدر على ذلك إلا من خلالك وفيك، من خلال تعاونك معها والسماح لها لتصبح أنت وهكذا تحيا من خلالك.
إنها بحاجة لطعام، لذا ستتغذى من تجاربك السابقة، تجاربك التي تساهم في إحيائها. تجاربك التي تسمح لها بإعادة إنتاج أوجاع جديدة، غضب، تدمير، حقد حزن وحتى بعض العلل الجسدية الحقيقية، إذن حين تسيطر عليك هذه الآلام، تخلق حالة في حياتك تعكس ماضيك على حاضرك، الألم يتغذى على الألم وليس بالبهجة والسرور.
هذا يعني أنه بالرغم من آلامك المستمرة، فأنت تطلب المزيد من هذه الآلام وتجعل نفسك ضحية نفسك؛ فلا تعود تدري ماذا تفعل؛ هل أنت راغب بمواجهة الألم أم راغب بالمزيد منه، وكلا الرغبتين هي واحدة، لكنك تتصرف عن غير إدراك، لأنك لو كنت مدركاً للحقيقة، لكان كل شعور بالألم يتبدد من تلقاء ذاته. لماذا؟ لأن طلب المزيد من الألم، يعني الجنون، ولا أحد عاقلاً يريد أن يكون مجنوناً.
الألم يحيا معتمداً على عدم إدراكك، على خوفك من مواجهته وعدم الاعتراف أنه يعيش فيك إنما عليك المواجهة عليك تسليط الضوء عليه، لتستعيد وعيك وإدراكك، وإلا تكون تحييه مرة اثنين وثلاثاً.
تبدو الآلام الجسدية أو النفسية جد خطرة ومؤذية، يصعب تحملها، غير أني أؤكد لك كل التأكيد على أنها ظواهر غير جوهرية ولا يمكنها أن تحيا عكس إرادتك، عكس قوة حضورك، أو بالأحرى ضد قوة حضورك.
اضافةتعليق
التعليقات