الحرية هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، لكلا الجنسين، الذكر والأنثى.
ولا ننكر بأن المرأة في مجتمعنا بالخصوص تتجرع ويلات العذاب جراء ممارسة المجتمع الذكوري. والمرأة العربية إذ تطالب بالحرية منذ عقود هي تشعر بالحاجة إلى مزيد من الحرية، فماهي الحرية المفقودة التي تبحث عنها المرأة ومع من معركتها الحقيقية؟
إن المرأة عمود المجتمعات وعامل من عوامل نشأة جيل صالح، متوازن قادر على العطاء.
ومثلما نرى فهمها الضيق للتحرر قد يتسبب في كوارث بمجتمعاتنا المسلمة وحتى لا تقع تحت طائلة التقليد الأعمى ودون المفهوم الصحيح للحرية ومساواتها مع الرجل، على أن الإسلام يقيد حرية المرأة، والرجل هو الند والخصم الأول للمرأة في حريتها. فتلك النظرة القاصرة التي تتهم الإسلام بتحديد الحرية ووضع العراقيل والنواهي بوجهها ماهي إلا تهم لا تصمد أمام الوقائع التي تحدث على الأرض، حيث لا محددات للحرية في الإسلام إلا في حالات الضرر للنفس، أو الضرر للآخر.
إنما تلك نظرة نسوية من مفهوم غربي. حيث يرى بعض الأكاديميين إنه لا يوجد مكان للنسوية الغربية في العالم العربي بسبب الاختلافات الثقافية والدينية القائمة في المجتمعات. ويضيفون أن النساء العربيات يناضلن من أجل مكانة متساوية في المجتمع ولكن ليس تحت مظلة النسوية، لأن المصطلح يشير إلى صراع بين الجنسين وهو في الأساس مثال غربي. ومتى أُدخلت حرية المرأة وتعارضت مع مسمى المساواة مع الرجل. أصبحت هي من توثق فشلها من الوصول لحريتها، فواقع تهميش المرأة العربية سببه الصراع مع المجتمع الذكوري لا صراع مع الرجل، وكثير من تبنوا الفكر النهضوي الإصلاحي للمرأة العربية، خلصوا إلى أن تحرر المرأة جزء من صراع اجتماعي واسع النطاق، إطاره هو تحرير المجتمع بأكمله من الإستبداد.
إنما تحرر المرأة بمعناه لا يعني التحرر من الأخلاق. وإطلاق الشعارات العدائية ضد الرجل فهو الشريك الثاني للمرأة في الحياة. وإنما تطالب المرأة بالمساواة والحرية لتخليصها من نظرة المجتمع الذكوري الهزيل الذي لا يعنف المرأة فقط بل حتى الرجل، فالإسلام لا يعزل النساء عن ميدان الحياة الاجتماعية، بل يؤهلهن للنهوض بمكانتهن الإنسانية السامية في المجتمع بما يخدم الأمة، ويحذر من آفة الفساد الذي يئن منه الغربيون أنفسهم.
وهنا أذكر قولا للمفكر العربي مالك بن نبي في كتابه (مشكلة الأفكار) يقول فيه، "في الواقع العالم الغربي ليس كله مميتا. إذ إنه مايزال يبعث الحياة في حضارة تنظم حتى الآن مصير العالم. وليس العنصر المميت الذي نصادفه في ذلك الوسط الثقافي إلا نوعا من النفايات، الجزء الميت من تلك الحضارة".
أي بمعنى أن اصحاب العقول السطحية يأخذون الأفكار المنحرفة والعادات السيئة من الغرب، أكثر من أفكار العلم والتطور وهذا سبب انحراف المجتمع العربي ودخول ثقافات جديدة لا تخدم الأمة. الإسلام أعز المرأة وأوكل إليها مهمة عظيمة هي تربية الجيل، وكما القرآن الكريم يربي الإنسان، المرأة أيضا تربي الإنسان فهي المربية التي تشكل المخزون الثقافي والنفسي والسلوكي الذي سيلقي بظلاله على الإنسان طيلة مسيرة حياته، وكما يقال" من شب على شيء شاب عليه.
كيف يمكن الفصل بين الذكر والأنثى، وقد خلقهما الله معا ليقوما بمهمة واحدة أهدافها إعمار الكون ونشر الحب والحق بين الناس، لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله والإخلاص في أداء الأمانة، ومن أجل تحقيق ميزان دقيق للحياة، فالمرأة لما اضطهدت أرادت أن تظهر للعلن تلك المظلومية ونادت بالتحرر من المجتمع الذكوري، وقد تلجأ في بعض الأحيان إلى تلقين ابنتها هذا التمييز التي عانت منه لكونها أنثى في مجتمعات وثقافات أبوية التي تميز بين الذكر والأنثى، حيث تعمل على تربية ابنتها على قبول ذلك التمييز.
آن للمرأة المعاصرة أن تعرف الحرية ليست لها علاقة بالحرب الدائرة بشعارات التحرر والمساواة بين الجنسين. إنما حربها الحقيقية مع المجتمع الذكوري الذي فرضه المجتمع لكلا الجنسين، بمعنى أن التصرفات والسلوكيات، والتهميش لفئة دون فئة، هي من تحدد هيمنة المجتمع بعاداته وتقاليده وهي من تحدد أن كان المجتمع ذكوريا سلطويا أو مجتمعا متزنا ينظر للمرأة باحترام وتقدير ولا يحرمها حقوقها.
فإن المرأة تجعل من ذلك الرجل خصمها الأول، وتنسى بأن طبيعة المجتمع هي من جعلته يفكر بتلك العقلية الذكورية، سواء كانت تلك الأفكار تلقاها جاهزة في حياته المعاشة، أو اكتسبها بمرور الزمن.
ومن خلال بحثي عن أسباب مظلومية المرأة أرى أن أختفاء الفضائل الاجتماعية والقيم الأخلاقية التي نادى فيها القرآن الكريم هي السبب الحقيقي للظلم والاستبداد. ثم الجهل الثقافي في تنشئة وتربية الجيل على تلك المفاهيم المناوئة للمرأة، وجهل المرأة بدينها وإهمال فكرها، وانغلاقها الثقافي الذي يوسع دائرة الجهل، وتولد عن ذلك نظرة دونية عن المرأة وأنها أدنى مكانة من الرجل، وتحاول الانجرار خلف التقليد الأعمى دون وعي، وهي تظن أنها تحقق الحرية وتنتصر لذاتها غير مدركة أن عدو المرأة الحقيقي هو الجهل والتنشئة الاجتماعية الخاطئة، وصديق المرأة الحقيقي هو الوعي والمعرفة، لا أن تحتمي تحت شعارات وهمية وهي داخل دائرة قد سيجها المجتمع بتقاليده إذ لا سبيل إلى تحرير المرأة دون تحرير المجتمع.
وكلنا نتفق على أهمية التكامل بين الرجل والمرأة في إدارة شؤون المجتمع، فالعلاقة بينهما ينبغي أن تتسم بالتكامل والتكافؤ، فلكل منهما دوره الخاص في الحياة.
اضافةتعليق
التعليقات