بدأ يلملم حقائبه ويتهأ للرحيل لم تبقَ سوى أيام قليلة ويفارقنا ذلك الضيف الظريف فقد مرت أيام اقامته معنا كلمح البصر، سيذهب ويتركنا مع ذكرياته الجميلة ويأخذ معه خلاصة أعمالنا المقبولة ويتركنا في حسرة فراقه وندم مافاتنا من أيامه التي لم نستغل أعمالها... تمهل قليلا ولا ترحل ليتنا نستطيع ارجاع مافاتنا، أيامك قليلة وغيابك كثير، اأعمالك كثيرة وثوابك عظيم، أجواءك جليلة ونحن عنك لاهين.
إنه شهر رمضان الكريم شهر العطاء والمحبة شهر العتق من النار. شهر يزيد الله فيه رزق المؤمن. شهر تغفر فيه الذنوب ويستجاب فيه الدعاء ويتقبل فيه العمل، شهر يذوب فيه الحرام في أجساد الصائمين ويقتربون فيه من رحمة الله ويكون جزاءهم أن يهون عليهم سكرات الموت ويكون الصيام أمان لهم من الجوع والعطش يوم القيامة ويعطيهم الله بالصيام البراءة من النار والاطعام من طيبات الجنة. الجنة التي فيها باب يدعى الريان التي لا يدخل منها إلا الصائمون.. كم هي كثيرة فضائل هذا الشهر الجليل إن هذا الضيف الذي يزورنا ثلاثين يوما في السنة بيده أن يغير أقدارنا ويرفع شأننا وينور دروبنا في كل ليله من لياليه هي باب إلى الجنة إن استفدنا منها وإن قمنا بأعمالها اإنه شهر الكرم.. يكرم الله جل وعلا عبده في هذه الأيام الجليلة ويختبر صبره بهذه الساعات الثقيلة وينتظر منه جميل عمله بلياليه الكريمة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شهر رمضان: "أوله رحمة، وأوسطه مغفره، وآخره عتق من النار"، شهر رمضان المبارك هذا الشهر العظيم الذي ميزه الله عن غيره فأنزل به القرآن ليكون رحمة للعالمين، ففي هذا الشهر المبارك تتنزّل الرحمات الربانية رأفة ورحمة بالعباد والمسلم المخلص هو من يخلص في عباداته ويؤدي كامل واجباته الدينية.
وسط كل هذه الفضائل ومازالت الناس تنظر إلى ظاهر الشهر ومتغافلة عن جوهره تتذمر من ظمأ الصيام ومتغافلة عن ثواب الأعمال، تفكر بوليمة الإفطار أكثر من صلاة الليالي والأيام. تنتظر وقت الافطار وتنزعج من صوت الأسحار. تأخذهم الغفلة وتلهيهم طقوس الحياة.
فإن من تغلبت عليه الغفلة في العشرة الأولى وسيطر عليه التعب ولم يستطع احياء أيام المغفرة، فرصته مازالت قائمة فضيفنا لم يغادرنا ولدينا فرصة أخيرة لنقف في صفوف التوابين والعابدين والفائزين في شهر رمضان في ليالي العتق من النار التي تبدأ من ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان، وتنتهي بخروج رمضان سواء أكان ناقصا (29 يوما) أو تاما (30 يوما)، فإن نقص الشهر فهي تسع ليال.
فلا يظن أحد أن الشهر قد ضاع منه، فلا زالت الفرص قائمة، والأبواب مشرعة، ليستدرك المتخلف، ويلتحق المحروم، ويستيقظ الغافل، فالعشر الأواخر رغم قلة لياليها إلا أنها من أهم الليالي في حياة المؤمن؛ حيث عظيم النفحات التي يهبها الله لعباده، بمغفرة الذنوب، وستر العيوب، والسعة في الأجر والحسنات، والسعة في الرزق، والبركة في الدنيا والآخرة.
لا تجعل شهر رمضان ذلك الضيف الخفيف يودعك إلا وأنت قد أعطيته حقه، عش أيامه الكريمة ولياليه الفاضلة من أول أيامه ولغاية آخر لياليه بكل أجواءه واستغل كل لحظاته بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى لتستلم الجائزة مع بزوغ فجر عيد الفطر.
اللهم اختم لنا الشهر الفضيل شهر رمضان الكريم بالفوز برضوانك والعتق من نيرانك، واجعله شاهداً لنا لا علينا، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة.
اضافةتعليق
التعليقات