من يعيد لها ابتسامتها الأخاذة؟ وكيف يعود لعينيها ذلك الألق الأنثوي الآسر؟ من يرمم صفحة وجهها المُفزع إلى حد الوجع؟ من سيرجع لها صورتها الربانية بعد أن شوهتها المواد الحارقة؟
هل مبضع الجرّاح قادر بالفعل على إعادة الفتاة المحروقة إلى سابق عهدها؟ وهل بإمكانه جبر خاطرها المكسور بفعل معاول أنصاف البشر؟!
غمرتني تلك التساؤلات وأنهكتني وأنا أتابع الحدث المهول لحرق الفتاة الجميلة مريم..
إلا أن الذي يحز بالنفس أكثر، ويوغر بالقلب أكثر، هو معرفة السبب المؤدي لتلك الجريمة الشنعاء.
بعض الناس لا زال منطقهم في التعاطي مع أمور الحياة بمنطق (الأنا) المتضخمة.. فهم لا يتحركون إلا وفق قياسات أنفسهم هم.. متناسين أن للآخرين أيضا قياساتهم الخاصة.. ولربما يقول أحدهم: أما أنا وإلا فلا!!
أي منطق متعجرف هذا؟! وأي عنجهية مربكة للسلم الأهلي تقود تلك العقول الآثمة والمتخمة بالأنانية والكره والحقد الدفين.. أما أنا أو الطوفان.. بالله عليكم كيف يمكن التعامل مع تلك العقول المهترئة؟ وكيف نستطيع تحييد الذهنية المريضة والمكبلة بقيود الأنا؟
إنه لأمر صعب بالفعل.. فالزواج مؤسسة قائمة على رضا الطرفين، ولا يمكن أن ترتفع دعائم هذا البنيان بالقهر والإجبار..
فما حصل للشابة مريم ذات الخمسة عشر ربيعا، أن أهلها رفضوا تزويجها بسبب صغر سنها عدة مرات. فما كان من الخاطب إلا اللجوء إلى عمل شيطاني وهو صب التيزاب الأسيد الحارق على وجهها وهي نائمة.
إنه نفس التصرف لذات المنطق المتعجرف: إما لي وإلا فلن تكون لغيري!.
ليس هذا وحده من تجرّأ وأحرق وجه المرأة وتركها كبئر معطّلة في صحراء الحياة القاحلة.. فهناك صنف آخر من أشباه الرجال يحرق ليس وجه المرأة فحسب، بل يحرق روحها وقلبها حين يحتكم إلى عرف عشائري جاهلي فيعيق زواجها إلا منه حصرا، فيضع العصي في قطار نصيبها عبر نهوة عشائرية، فيقضي بذلك على كينونتها وأمومتها ومستقبلها.. متناسيا أن الزواج أساسه الاختيار والرضا، فهل ثمة عقلية تعاني العوق كهذه العقلية ياترى؟!
ما زالت المرأة في عراقنا للأسف الشديد تعاني الأمرّين من تلك الأفكار المريضة المغلّفة بطابع الأعراف العشائرية.. وما زالت ترزح تحت وطأة نيران أولاد العم واستبدادهم وغطرستهم.
إلى متى يستمر مسلسل حرق الأنثى في بلادنا؟
سؤال برسم الإجابة سيظل مرتسما على وجوه كل النساء..
اضافةتعليق
التعليقات