برود يمس روح الخاطرة فتتصبب عرقاً يأخذ مساره نحو مفاصل أيامي، يركن القلم وهلة على جانبي الورقة فتأخذ أسطرها قياماً وقعوداً تتأهب لمد الكلمات، شوق عقيم داهم القلب لشخص أصم أقدم بندم وإرتحل بعدم، أوقد نار في القلوب وأثار في النفس الحروب، هكذا حب اعرج إما أن يسقط أو تقطع ساقه.
نقطة واسطفت الأسطر على حزن عميق أخرج الحديث عن نطاقه فاحتضنته نوبة بكاء كَورت قدماي إلى أضلعي.
يحدث فجأة أن تتخلى عن ايجابيتك ليوم أو عشرة حتى تبدأ قوانين الجذب تملي عليك الأحداث تباعاً فتبدأ بالتنصل من الواجبات باستسلام رهيب لتتفلت من عبئ التظاهر بالقوة والصلابة فتخر باكياً بعد طول وقوف أنهك قدميك وترك سيلا جارفاً يلقي السلام على عينيك، تخرج مُحطماً كل قواعد نفسك لتترك مثاليتها لوقت متناسيا النسخة الأفضل منك، تاركاً حبال الدنيا من على معصميك وبكل سلاسة تقول: نعم أنا لا أستطيع، أعلن استسلامي.
يخيل لمشاهديك في بادئ الأمر أفكارا تطول عنقك فتهوي بما تبقى في خانة الفشل فالاستسلام بحد ذاته يندرج تحت الأفعال السلبية، والتي غالباً ما تترافق مع أدوات النفي "لا تستسلم" جملة نسمعها كثيراً في حياتنا في كل مرة يصيبنا فيها شعور اليأس أو الإحباط أو تلك المشاعر التي تتركنا على حواف الموت تسلب منا الروح فتطغي أشكالها على هيئة هالات سوداء تحتضن المحجرين ويمتد ذبولها بؤبؤ العين.
لكن أتساءل أحياناً: لما لا يكون الاستسلام فعلاً مفيداً عندما يرتبط بفعل التخطي، على سبيل المثال يمكن لأي شخص أن يكون قد مر بتجربة عاطفية فاشلة انتهت بفراق بصري لا يتعدى خطوات الدنيا وربما يزيدها الأبدي حزن أزلي، الاستسلام لواقع أن العلاقة انتهت هو أفضل ما قد تنتهي إليه قناعتنا لأننا ببساطة نحكم التصرف بقناعاتنا أكثر بكثير من التحكم بعاطفتنا التي غالباً ما تسوقنا نحو شعور الاشتياق والبحث الدائم عن بقعة ضوء خلفها أمل أن العلاقة لم تنتهي ومن غادر مازال على شرفة النافذة أو يحمله جنح فراشة أقامت الليل هنا.
أن تستسلم لفكرة لا يعني أنك أضعف من أن تقاوم لأجلها، فالإستسلام له أبواب لابد لنا أن نجربها يوما ولحظات أخرى لابد من ترك هذه الكلمة عندها، لا تستسلم عندما يتعلق الأمر بالدراسة أو العمل أو تكون شخصك أنت، الاستسلام هنا يأتي بمعنى التخطي التام لأمر أصبح مستحيل الحدوث، الأمر يتطلب جهد كبير، والجهد الأعظم نابع من الداخل، وهو بحاجة إلى وقت، أي أنه لا يمكنك أن تتخذ قرار الاستسلام بأن علاقتك مع شخص انتهت وأنت ما تزال تراقب حياته الشخصية عن بعد، تعيد قراءة رسائله والغرق في ذكرى ماضيكما.
أوقف عداد التفكير عند التصالح مع فكرة الفراق، وأن القدر حتمي، ابدأ بالتخلص من كل ما يدعوك للتعلق وتذكر هذا الشخص، سامحه على هفوات الماضي وسامح نفسك فنحن بشر، والجميع يرتكبون الحماقات والأخطاء، وقد لا يكون الموضوع خطأ أحد، إنما مجرد أرواح لم تستطع التقارب أكثر، فلوم الذات وجلدها يدفعنا لإعادة الماضي بتفاصيل جرت والتفكير فيها لن يغير من واقع الأمر شيئاً.
أنا استسلمت لواقع أن كل شيء يحدث لسبب، فتخطيت الكثير من المواقف، وإلى اليوم مازلتُ أعاني كثيراً للوصول الآمن إلى مرحلة الاستسلام، ولأرقد علاقات وأشياء كثيرة في مثواها الأخير دون أن أترك لها أثر جرح يؤلمني في كل مرة أمد يدي عليه وأجس نبضاتي وهي تتسارع دون أن أعي أسبابها.
أنت وحدك المسؤول عن قرار الإستسلام المفيد، وعليك أن تجد مفاتيح التخطي وأن تحتفظ فيها لتستخدمها في كل مرة تكون فيها متيقناً بأنه حان الوقت لإغلاق باب أو فتح باب جديد في حياتك.
التجارب كفيلة بمساعدتك على اكتشاف الوقت المناسب لاتخاذ القرار، لكنني أذكرك قارئي العزيز بأن الوقت الذي تفقده إنما تفقده من حياتك أنت، وأنه عليك أن تكون أقوى.
"أنا أؤمن أن خلف كل باب يغلق هناك خير، هناك فرصة جديدة ربما تحمل معها الحياة أو الحب أو القدر الذي أستحقه والذي سيغيرني نحو الأفضل، فأستسلم للقدر وأنا أشعر بالأمان بأن القادم أفضل بإذن الله، وبأنني أحياناً بحاجة للمساعدة والطريق الأفضل ينتظرني فأضع حمل الألم في أقرب فرصة أستطيع إليها سبيلاً، وفي كثير من الأحيان بدل الرد والتعصب والخوف من الاستسلام أترك الخواطر تأخذ مجراها فتتراقص إما على ورقة أو تستلقي بأحضان شاشة الهاتف، فلا نفع من أن أقف على أطلال عهدٍ قد سبق والشاهد من بيده علم خفي وكل ماجرى وما جرح بالنهار وكيف كان الصدى واضحاً على الأنفاس والقلب المُحترق، الاستسلام الظاهري هذا ليس ضعفاً بنظري هو قوة خارقة تأتي من الحياة ومن قوة الله في نصرة هذا الإنسان يوماً من الأيام.
أيهما أفضل المواجهة والموت السريع أم الاستسلام المؤقت والإبقاء على الحياة بشكل سليم ومن ثم العودة والكرة بطريقة يكون الإنسان قد استجمع فيها قواه مرة أخرى وبشكل أفضل؟
ببساطة استسلم مؤقتاً إن شعرت أنك منهك فغداً أمر بديهي واليوم ماضٍ وهذا شيءٌ حتمي.
اضافةتعليق
التعليقات