مباركةٌ هي اليد التي تعمل، هذا ما علمته إياها السماء.
حين كانت أصغر سناً، كانت مهامها أقل، وتبذل جهداً أبسط مما تبذله الآن، فقد كانت اهتماماتها كلها تنصب على الواجبات المدرسية وبعض الأعمال المنزلية البسيطة لتُعين بها والدتها، لكنها سنةً تلو أخرى كانت تكبُر، وكبُرت معها مهامها، باتت تعمل طوال النهار تقريباً، وتسهر كثيراً للدراسة. ترى بقية الفتيات ممن في سِنها يقضيّن وقتهن على شبكات الإنترنت والهواتف الذكية، لا يفارقنها ولو لبضع دقائق، يمتلكن أوقات فراغ لا نهائية، وعقولاً لشدة فراغها تكاد تطفو في الهواء، لهنَّ أيادٍ ناعمة، لا يُفسدها غسل الملابس أو الصحون، تتناوب على أظافرهنّ مختلف ألوان الطلاء ولهنْ حياة متخمةٌ بالرخاء.
لطالما كانت تسمع عن فتياتٍ لا يتكلفنّ حتى بغسل الصحن الذي يأكلن منه، كانت تحتقرهنّ أيما احتقار، ولطالما شعرت إنهن يشغلن حيزاً من الفراغ دونما جدوى وتحمد الله على التعب الذي تُلاقيه، التعب الذي سبب لها آلاماً في عمودها الفقري في عمرٍ مبكر، وجعلها تتخلى عن الاهتمام بكل الأمور التي كانت تتسابق لأجلها الأخريات، لم تكن تخرج كل يوم لتحظى بالمتعة والمرح في الأسواق أو الزيارات، لم تكن تشتري كل أسبوع ملابس وحقائب وأحذية، لم تكن تبتاع عطوراً بأسعارٍ خيالية، ولم تكن تهتم لأن تُعجب أي رجل على وجه الأرض.
كانت تشعر بالرضا لكل هذا، ولطالما حدّثت الله عن كل أحلامها الصغيرة، وهي تستشعر الحنو والرضا حين ترفع يدها له بالدعاء والأمنيات وهي تعلم أنهُ لن يرُدها خائبة، ولم يكن يهمها شيء سوى رضاه ومباركته لأيامها.
كانت تبتسم حين تشعر أن الله يرى كل ما تفعله يداها، وتتأكد من أنه سيكافئها بالخير دائماً، وأنه لن ينسى كل ما تقوم به.
يدُها مباركة، وُظفت لفعل كل ما هو خير، يدها تُنجز أعمال المنزل بكل مستوياتها، كما علمتها الأيام أن تفعل، تطهو الطعام، تغسل الأواني، تُطعم الأطفال وتعتني بهم. يدها تسقي النباتات، وتغرس البذور لحياةٍ جديدة، وهي ذات اليد التي تُمسك الكُتب لتقرأها، وتُمسك القلم لتُدون ما يدور في أعماق روحها من مشاعرٍ لا يفهمها البشر. هي اليد التي تُدلك أوجاع جسد أمها كلما تأوهت، تمسك مكان الألم لتقرأ عليه سورٌ من القرآن الكريم، وهي اليد التي تجلب لها الدواء لتتعافى. يدها تدرُس وتجتهد، تكتب الأجوبة في الامتحانات وتنجح بتفوق كل مرة.
يدها تُمسك بأيدي صديقاتها، تُسندُ من يقع، وتواسي من يتألم، وترتفع لتناجي ربها ليلاً. تمسح دموع عينيها حين تنهمر على خدها، وتلف الحجاب على شعرها بإحكام، وتمتد لتتصدق على الفقراء.
كل امرأة، صبية أو طفلة أو مسنة، عليها أن تعلم أنها تملك يداً مُقدسة، باركها الله وسخرها لتُسيّر هذه الحياة، ولتعلم، أن لولا يديها لما كُبر طفل، ولا بُني مجتمع ولا قامت أمة. تلك اليد هي نصف المجتمع، ولولاها لما وُلد ولا تربى النصف الآخر.
اضافةتعليق
التعليقات