يتصور البعض أن عليًا بن أبي طالب صلوات الله عليه، وصيًا، وإمامًا، ووليًا، وأميرا ووزيرا، وخليفًة، على الأمة، فقط منذ يوم "غدير خم" وحجة الوداع.
لكن الصحيح أنه أعلن عن ولايته ووصايته صلوات الله عليه، منذ الأيام الأولى في الإسلام، أي منذ حديث "يوم الدار" {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214 الشعراء) }"، لما أمر سيد الأنبياء، أربعين رجلًا من صناديد بني هاشم "الأقربين"، وبأمر من الله تعالى أن يقروا ويطيعوا ويُسلِموا لسيد الأوصياء علي صلوات الله عليه، أي من تلك الجلسة، التي فيها اعترض وخالف بصرامة أبو لهب وقال لهم (كيف، به أن يولي عليكم أصغركم)، وأراد بذلك أن يستثير أبو طالب وحمزة وسائر بني هاشم على رسول الله صلى الله عليه وآله.
كما يلاحظ أن كلمات روايات "حديث الدار" المروية من طرق الجمهور، هي عينها كلمات "حديث غدير خم"، ولغة التهديد فيها للنبي بأن يقوم بتبليغ بني هاشم "الأقربين"، هي عينها لغة التهديد الموجودة بتبليغ الأمة في "حديث الغدير"، {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ ..} (67)المائدة.
ومن يراجع أنوار وبيانات أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم، يكتشف هذه الحقيقة المغفول عنها، وهي ان آيات الغدير ، {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ }67 المائدة، نزلت مرتين، مرة في أول الإسلام، ومرة في حجة الوداع "غدير خم". وإن جاءت سورة المائدة مدنية "في المدينة المنورة"، إلّا أن هذه الآيات "آيات الغدير" وردت مكية أيضا، ويشير ذلك إلى عظم ما أنزل فيها من شأن علي أمير المؤمنين وشأن ولايته صلوات الله عليه، حتى أبلغها النبي علانية في أكثر من عشر مواطن، كما تذكره روايات ونصوص الفريقين.
كما تؤيد نصوص هذه الآيات المجيدات {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214 الشعراء)} ، {واتي ذي القربى حقه} 27 الإسراء، و آية الفيء {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ} الحشر7 ، ونص قاعدة "القربى" في باب الإرث" (الأقرب فالأقرب، والأقرب يمنع الأبعد)، على أن "قربى النبي" هما فاطمة الزهراء وعلي أمير المؤمنين صلوات الله عليهما، لا سائر قريش، ولهما حق الولاية في دولة سيد الأنبياء، وحق التصرف في جميع شؤون الفيْ وثروات الأرض، لا أن ولايتهما ستفعل في ما بعد، لكنه للأسف اغتصب هذا الحق صنمي قريش.
وهذا ما نوهت إليه أيضًا روايات "المعراج" المستفيضة عند الفريقين، بأن ولاية علي بن أبي طالب كانت قائمة بالفعل على الأرض، وعلى جميع البشر، وعلى العوالم الأخرى "الملائكة والأنبياء والرسل"، في فترات عروج سيد الأنبياء والرسل المتكررة إلى ما فوق السماوات السبع، وفوق عالم القيامة، وعالم الجنة وعالم النار، حيث لم يترك النبي الأرض، بدون أن يستخلف عليها حامل لواءه، وعلمه، ووصيه، وحجته، ووزيره، كما جاء في الحديث القدسي "من استخلفت عليها يا أحمد".. وفي وصف الزيارات الشريفة ب(السلام على إمام الأولياء وعلى إمام الأوصياء وإمام الأصفياء).
.."فهل يعقل أن يتركها النبي دون وصي أو وصية بعد مماته، فأين البرزخ من السماوات السبع، فالفرق رحب "شاسع"؟!
إذن يستنتج مما تقدم أن ولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه، لم تنفك زمنًا عن ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله، كذلك ولاية فاطمة الزهراء وعترتها الطاهرة، فهم جميعًا أولياء وأوصياء ووزراء أين ما كانت لرسول الله من ولاية ووصاية على الأرض أو السماء.
وإن حقيقة ولايته في يوم "غدير خم" المشهودة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ..} 3المائدة، فقد بينتها "زيارة الغدير " للإمام علي الهادي صلوات الله عليه، في أكثر من موطن، وهو الإعلان والتبليغ بها على السواد الأعظم من الناس، (اللهم هل بلغت قالوا نعم)، لئلا يتعذر أحد منهم أنه لم يسمع ولم يفهم هذا الأمر.
لا أن ولايته صلوات الله عليه للتو قد صيرت في "غدير خم" وستفعل في ما بعد، كلا، إنما ولايته مأمور ومعهود بها، منذ أول الإسلام، ومنذ حادثة "يوم الدار"، كما بيناه أعلاه، تزامنا مع "الشهادات الثلاث" التوحيد" والنبوة" والإمامة"، التي لا يكتمل دين ولا إيمان إلّا بالتصديق بهم معًا.
وصدق المولى تعالى {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، 55 المائدة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ }59 النساء.
اضافةتعليق
التعليقات