أصبحت فكرة حقوق الإنسان والدعوة إليها من الأمور الجوهرية في المجتمات المعاصرة. وارتبط قيام مبادئ حقوق الإنسان والدفاع عنها في العصر الحديث، سواء في المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام أو غيرها في الغرب، الذي أصبح مرجعاً للحقوق الإنسانية، وإن وجدت تلك الحقوق وثقفت لها الدساتير والقوانين، تبقى غير منصفة بصورة كلية للإنسان لأنها تخضع للتغير والتعديل حسب تغيرات سياسية مغرضة من دولة إلى أخرى أو فئة على حساب فئة أقوى كالأقليات في بعض الدول أو بسبب اختلاف لون البشرة كما هو عليه النزاع الدائر منذ سنوات في أميركا وأصحاب البشرة السوداء. أو مثل اضطهاد حكومة الصين لمسلمو الآيغور في الصين. أو بين طائفة على حساب طائفة أخرى.
والأمثلة كثيرة، يكون فيها الربح في الحياة للأقوى. أما حقوق الإنسان وشعاراته قد نجدها في بعض البلدان حبرٌ على ورق فما إن خرجت أقلية أو مظاهرة شعبية للمطالبة بحقوقها الشرعية إلا وسحقتها الفئة الأكبر ونكلت بهم أشّد تنكيل، حتى تصبح خاضعة ذليلة في بلدها. أمَّا في الفكر والشريعة الإسلامية فإنَّ من ينظر حقوق الإنسان في الإسلام يجد أنَّها حقوق شرعية أبدية لا تتغير ولا تتبدل مهما طال الزمن، لايدخلها لا تحريف ولا تبديل، لها حصانةٌ ذاتية؛ لأنَّها من لَدُنِ حكيمٍ عليم.
فالله (جل وعلا) أعلمُ بخلقهِ وهو أعلم لمصالح العباد من أنفسهم، فهي أحكام إلهية تكليفية، أنزل الله (جل وعلا) بها كتبهِ وأرسل بها رُسُلهِ. لقد رضي الله لهذه الأمة الإسلام ديناً وجعل محمد خاتم الأنبياء "صلى الله عليه وآله". وفوق ذلك كلَّه فرض الله على العباد حماية هذه الحقوق ورعايتها فيما بينهم. ومن ثم نجد أنَّ الإسلام قدس حقوق الإنسان إلى الحد الذي تجاوز مرتبة الحقوق فاعتبرها من الضرورات ومن ثم ادخلها في إطار الواجبات.
بحيث بيّن الإسلام للإنسان أنَّ من واجب الإنسان أن يطلبها ويسعى في سبيلها، ويتمسك بالحصول عليها ويُحرم صدْه عن طلبها، وبهذا ضمن للإنسان العيش بحرية وكرامة. فقد خلق الإنسان عزيزاً حراً. ولا يخفى أن الناس إنما أقبلوا إلى الدخول في بلاد الإسلام والعيش فيه أو من اعتنقوا الديانة الإسلامية مؤخراً، لأنهم رأوا في الإسلام وفي بلاد المسلمين حريات واسعة تطلق لروحه العنان وتخلصها من براثين الجهل.
إن مانراه من تقلبات فكرية وعبثية من بعض الذين يصفون الدين الإسلامي أنه يُقيد الحريات ويحجب الحقوق لا كما هو عليه الحال في الدول الغربية، ويصف الحريات الغربية مطلقة وتحفظ للإنسان حقوقه ماهو إلا تخبط فكري غير منصف، لأن مانراه اليوم في بلادنا من فوضى واضطرابات هو نتيجة لتحكم الإستبداد والدكتاتورية، فإن الإستبداد مستنقع مملوء بالأوبئة الفاسدة التي تنشر الأمراض بالمجتمع.. كالطغيان والظلم، والفقر، والقمع، والسجن، والتشرد، والحروب.
الإسلام دين رحمة نستلهم الدروس والعبر من نبي الإسلام الذي بعثهُ الله، لم يختاره الله ملكاً من ملوك الأرض أو وجيهاً من وجهاء مكة بل اختاره فقيراً صادقاً أميناً لم يملك غير حريته وشرف أخلاقهُ التي قال عنها الله في كتابه الكريم: (وإنك على خلقٍ عظيم). وهو المصدر الثاني لحقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية فهو السُنَّة النبوية الشريفة، وهي كل ماصدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قولٍ أو فعلٍ وتقرير أو صفة خلقية... والسُنَّة النيوية حُجَّة شرعية قال الله جلا وعلا: (مَّن يُطِع الرَّسُولَ فقد أَطاع اللّٰهَ).
والسنة النبوية تابعة للقرآن الكريم وبيان له، إما تفريع القرآن أو شرح لكُلِّيته، ومن ثمّ فإن لدستور المدينة المنورة قَصَبُ السَبْبق بالنسبة لكل دساتير العالم. فقد كان للرسول دور بارز في إخراج المجتمع من دوامة الصراع القَبَلي إلى رحاب الأخوة والمحبَّة والتسامح. انتصر الرسول وأسس مدينته على الحب والتقوى والعدل والمساواة ورفض العبودية. فكانت أول دولة مسلمة تحفظ للإنسان حقوقه وتحفظ له كرامته.
واستمرت تلك الجذور الفكرية ونمت وأعطت ثمارها حتى بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد أن حرص عليها وشذبها الأئمة المعصومين. وعملوا بها بعد رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم) في انصاف أبناء الأمة وعانوا ماعانوا في سبيل الحرص عليها وامتدادها من جيل إلى جيل. ولعل المطلع على رسالة الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر والتي تَعد تطوراً كبيراً على طريق إدارة وحكم البلاد، التي فُتحت ودخلها الإسلام! يُرسي بكل وضوح المعالم الأساسية لمهمات الحاكم المُسلم وحقوق الرعية، ومن ثم فهي من الوثائق التي قلَّ التعامل معها وعرضها لجمهور المسلمين.
فالحقوق في الفكر الإسلامي لاتخص إنساناً دون آخر بل إنها لصيقة بالإنسان بوصفهِ إنساناً أينما كان .
اضافةتعليق
التعليقات