في ظل التحرر الذي تعيشه النساء الغربيات في القرن الحادي والعشرين، يعاني الوطن العربي وخصوصا العراق، حالة تعصب حادة تجاه الفئة النسوية، فبسبب الوضع القانوني الضعيف الذي يعيشه العراق نلاحظ للمنظومة العشائرية تسلط أقوى.
كما إننا نلاحظ بأن العشائر تحاول معالجة مشاكلهم دون الحاجة الى تدخل قانوني (ويفسر "علي الوردي" هذا الميل بأن أفراد العشائر يستنكفون من تقديم الشكوى إلى الحكومة، فهم يعدون ذلك منافياً لقيم الرجولة، فالرجل منهم يفضل أن يأخذ ثأره من خصمه بنفسه ولا يعتمد على سلطة الدولة في ذلك، والحقيقة أن اللجوء إلى القضاء العشائري يسهل على الفرد حل قضاياه ومشكلاته، فهو يجنبه التعرض لعقوبات السجن الطويلة والقصيرة، كما يجنبه الخوض في المحاكم وتبعات استخدام المحامين. وكل ما يحتاجه المعتدي هو فض النزاع وإنهاء الثأر، امّا بالنسبة للشخص المعتدى عليه فإن جل ما يريده استرداد حقه بجلسة عشائرية متضمنة للإعتذار والتعويض المادي والمعنوي عن الضرر.
وقد أدى تريّف المدينة، إلى بعث سلطة العشيرة كقوة بديلة عن الدولة في حل قضايا الأفراد ونزاعاتهم حتى في الفترات التي تمتعت فيها الدولة والقانون بقوة ومركزية شديدتين. مما يعكس فشل مشروع الحداثة).
ومما لا يخفى علينا بأن العرف الإجتماعي والتقاليد هي ضوابط وجدت منذ الأزل، أحيانا هذا العرف يتفق مع طبيعة الدين السماوي والوضعي وأحيانا يختلف معه، ومن حيث التفضيل نرى إن التشريع السماوي بلا شك ولا يختلف فيه إثنان هو أفضل بكثير من العرف الإجتماعي.
فلو اتينا الى القران الكريم سنلاحظ بأن الكثير من النصوص تشير الى الدية_ما يُعْطى عائلةَ المقتول من مالٍ مُقَابل النَّفْس المَقْتولة_ على أن تكون الدية متناسبة.
ولكن الدية لا تشمل القتل فقط بالدستور العشائري بل تشمل الطلاق، والضرب، والمشاجرة...الخ.
ولكن عندما ننظر الى الفكر العشائري نجد الكثير من هذه المؤشرات، فنشاهد بأن العرف العشائري اخذ هذه القوانين من التعاليم السماوية لكنه قد بالغ في مسألة الخصام التي تحصل بين عشيرة وأخرى، بأخذ 5 نساء أو أكثر مقابل خطأ إقترفه شخص.
من حيث المبدأ فإننا نرى بأن ما يحصل هو غبن لحقوق المرأة، فمن اللامعقول أن تدفع المرأة ثمن خطأ لم ترتكبه هي، على أن تجبر في الزواج من شخص لاترغب به، أو الإرتباط بمن يفوق عمرها سنوات كثيرة.
والجدير بالذكر إن للمرأة مقام عظيم لدرجة إنها تحمل صفة "المنقذة"، ولكن منقذة دون إرادة شخصية، لأنها لم تخير في مسألة الزواج العشائري، ولازالت هي المضحية في كل الأزمان، لذلك المرأة تعد عنصر النجاح في العلاقات العشائرية، ولكن هل من المعقول أن تكون المرأة أداة تضحية من دون إرادة؟!
لمعرفة معلومات أكثر من الناحية النفسية ولحصول إجابة واضحة عن هذا السؤال كان لابد من أخذ رأي الدكتور"أحمد الأزيرجاوي" رئيس قسم علم النفس جامعة كربلاء حيث قال:
من الناحية السايكولوجية فإننا نرى بأن هذا الإجراء غير صحيح بتاتا، إلاّ إذا توافق مع رغبة المرأة فسيكون عنصر إيجابي للإصلاح، اما اذا كانت بغير رغبتها فستخلق مساوىء كثيرة تنعكس على نفسها وعلى المجتمع، ولكن هنالك بعض المفاهيم العشائرية التي تبرر هذا الفعل بأن عطاء الدية (المرأة) سيؤدي الى المصاهرة وسيحصل تماسك إجتماعي بين العشيرتين، ولكن في هذه الحالة سيكون رؤيا المرأة معدوم.
وأضاف الأزيرجاوي:
بإعتقادي لو كان رأي المرأة يأخذ بعين الإعتبار، وعلى فرض بأنها وافقت بالدية، فهي بهذه الحالة ستقدم أفضل تضحية للمجتمع، اما اذا كان بغير إرادتها الشخصية، فهي بهذه الحالة ستكون كبش فداء للآخرين.
من المعروف إن إقتلاع الجذور المتأصلة في العمق صعب جدا... إذا ماعلينا هو عدم سقي هذه الشجرة لتصل الى حالة التيبس وتموت من حالها، ما اريد أن اصل اليه، على الجيل أن يتحلى بالوعي الكامل ولابد أن يمتلك ثقافة عالية من المدنية، وعندما أقول المدنية لا أقصد أن يخلع اصالته، بل يجمع الإثنين معاً، لأن الجيل المتنور الذي يفهم حقوق المواطن من الممكن أن يؤثر على الجيل السابق.
كما إن لرجال الدين دور كبير في تثقيف المجتمع وتوعيتهم، ولاسيما بأن اغلب العشائر تدعي التدين، وهنا من الممكن أن يحصل تناشز معرفي، لمن يدعي الدين ولايطبقه في فعله العشائري، فلابد لرجال الدين والأكادميين وحتى المثقفين أن يبرزوا حالة الإبتعاد عن التناشز والسير توأمةً مع المدنية.
(لعل المفارقة بصدد حقوق المرأة العراقية لا تكمن في تطبيق الشريعة الاسلامية كما يجسدها قانون الاحوال الشخصية، ولكنها تكمن في الواقع على النظرة الذكورية التي تقرأ الشريعة الاسلامية قراءة ضيقة متعصبة منغلقة فردية وتسعى الى ترسيخها بوصفها هي النظرة الصحيحة، وهو ما ينطبق على قراءة قانون الأحوال الشخصية النافذ والجهود من اجل الغائه).
(أما المادة الثانية من إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، فقد نصّت على اتخاذ جميع التدابير المناسبة لإلغاء القوانين والأعراف والأنظمة والممارسات القائمة التي تشكل تمييزاً ضد المرأة. وقد عالجت المادة الثالثة موضوعاً مهماً، إذ دعت إلى اتخاذ جميع التدابير الملائمة لتوعية الرأي العام وإثارة التطلّعات في كل بلد نحو القضاء على الثغرات والقضاء على جميع الممارسات، العرفية وغير العرفية، القائمة على فكرة نقص المرأة. وتجدر الإشارة إلى إنّ موضوع التوعية الذي أثارته المادة الثالثة من إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، هو الأهم في إحداث تغيير مجتمعيّ، لاسيّما إذا كان هذا التغيير مبنياً على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. من هنا، تأتي أهمية المناصرة والدفاع عن حقوق المرأة، والتي يغطيها الفصل الخامس من هذا الدليل.
أما المواد المتبقية، من المادة الرابعة وحتى المادة الحادية عشر، فقد عالجت الحقوق المدنية والسياسية وضرورة مساواة الحقوق في قوانين العقوبات).
(إنّ حقوق المرأة وحقوق الإنسان بنحوٍ عامٍ، تعدّ ركيزة أساسية في بناء الدول العصرية والديمقراطية، وفي دولة القانون التي يُحترم فيها الإنسان، بصرف النظر عن أي اعتبار أو سبب يمكن أن يؤدي إلى التمييز أو إلى الإستبعاد والاضطهاد. والعراق الجديد بعناصره التي كرّسها الدستور الجديد ليس استثناء من هنا، كان لا بدّ من أن يلقي هذا الدليل الضوء على حقوق المرأة كما كرستها المواثيق الدولية التي تشكل مجتمعة القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي تنبثق منها الشرعية الدولية لحقوق الإنسان والمرأة وحتى الطفل).
(ومانراه بأن الدين الإسلامي أنصف المرأة بصورة كاملة، إذ إن المرأة حرة كريمة مصونة، لها ما للرجل وعليها ما على الرجل، بلا تمييز ولا إحتقار ولا إضطهاد ولا تفضيل لأحد على الاخر إلا بالتقوى والعمل الصالح. فلقد أكرم الإسلام المرأة أيما إكرام، حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : "أكثر الخير في النساء"1، و "إن العبد كلما ازداد ايمانه ازداد حبه للنساء"2.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل المرأة بريئة من هذا الحكم؟، حتماَ كل شخص في مجتمعنا بحكم الظروف التي تربى عليها وحفرت في نفسيته وممارساته مااعتاد عليه من ممارسات بحكم التربية الذكورية، فيه شيء من العنف سواء كانت إمراة او رجل، لذا يجب ان نبدأ بأنفسنا في نبذ العنف وتطهير كل ممارساتنا من الأعراف والعادات التي نحتت في أبناءنا بسبب التربية والتوجيه الخاطىء، ونعامل ابناءنا وفلذات اكبادنا واخواننا واخواتنا بالرحمة واتباع اسلوب المناقشة والحوار ونصحح ماتربينا عليه لأنهم خلقوا لزمان غير زماننا، وتشجيع المرأة على ممارسة الحقوق الإنسانية والإسلامية بحرية تامة، دون الخضوع إلى سلطات عشائرية، والمطالبة بتلك الحقوق في حالة التعرض إلى إضطهاد أو الإجبار على أي ممارسة ممارسة مخالفة للشرع والقانون..
اضافةتعليق
التعليقات