عن بعض الفكاهة السوداء سأتحدث..
في البداية اود القول بأني أحد الأشخاص المولعين بمتابعة الفن الكوميدي والبرامج الفكاهية التي تطرح بعض المشاكل الإجتماعية وتناقشها بأسلوب الفكاهة السوداء التي بات يطلق عليها الناس باللهجة العامية (تحشيش).
نشاهد اليوم وجوه جديدة وكثيرة من الفنانين الكوميديين، وقد تنوعت البرامج واصبح إعدادها وتقديمها يسير بعض الشيء فلا داعي للقلق بشأن من سيتبناها ويعرضها، وبإستطاعة أي أحد يعمل ضمن هذا المجال تصويرها على شكل مقاطع فيديو تُنشر ببساطة حيث يوجد(YouTupe) ويوجد (تمويل) وإستقطاب المتابعين أمر يسير جداً بخصوص الكوميديا..
لطالما كانت الفكاهة السوداء ولا زالت أداء ابداعي يوصل ويوضح للمتلقي تفاصيل قضية مبكية بطريقة مضحكة، كما وإنها تبين مدى التخلف والتناقض في الموقف أو المعنى بصورة عامة، وقد نجد اننا نضحك في الغالب لكوننا نرغب بصدق في البكاء..!
وهذا ما أثار استيائي مؤخراً ازاء بعض الاعمال الفكاهية التي ترصد ما يحصل في المجتمع من امور سياسية ودينية وثقافية وغيرها، وتقوم على تجسيدها وتقديمها بشكل مبالغ فيه تارة، وإعطائها اكثر من حجمها تارة اخرى، أو إدخال بعض المفاهيم المخيفة والإضافات المؤلمة أو الخادشة للحياء وهذا أسوء ما يحصل غالباً في الوقت الحالي، فنرى مثلاً تناول قضية سياسية تضر المواطن البسيط الذي لا حول له ولا قوة في هذه البلاد المنهوبة، فتجدهم قد إجتازوا حدود المعقول بالسخرية والتهكم على حال المظلوم أكثر من الظالم! (شعب جبان، شعب متعلم عالقط، شعب مصلحجي وو…!) وهذا في الحقيقة ينطبق على الفئة ذات الدخل الجيد واصحاب النفوذ الذين هم بالأساس من يقودون "الدولة" أو من ينتمي اليهم، ويتحكمون بمستقبل هذا الشعب والوطن فيقال (هذا الوطن الي راحوا ضحيته ولد الخايبة!) وقد يكون غالبا بأنك لن تجد فيه متضرر سوى ذاك المواطن الفقير الذي "يُقاتل" من أجل تأمين لقمة العيش..!
وهناك الأعمال التي قد لا تمنح الفكاهة اكثر مما تثير السخرية! وتبعث على الإستياء والملل من تكرارها وتضخيمها وهي في الحقيقة قد تكون أمور تافهة لا تستحق كل هذا الاهتمام، كموضوع الفنانة (جليلة الي تريد تزوج عراقي! وسودة عليه جليلة…) فتجد امثال هذه الاعمال تأخذ حيزاً واسعاً من نطاق النشر على (شاشة التلفزيون، البيجات، اليوتيوب، تويتر..) وقد تبقى متداولة لعدة ايام وربما اسابيع..!
كُل هذا في كفة والأعمال التي تقدم فناً دون المستوى في كفة أخرى، وكيفية سهولة تقبلها وتفضيلها عن سواها! ونسبة المشاهدات العالية وإقبال البعض على اعادتها بغية الحُفظ والترديد! والمصيبة الأعظم بل المخيفة والمرعبة هي سماعك لتلك المفردات السيئة والاغاني الرديئة من افواه الأطفال! وهم يدربون انفسهم ويطربون على بعض الكلمات اللأخلاقية والمحرمة ايضاً كقول (شرب شرب شرب!) عذراً… ومايقدمه هذا العمل من أفكار خبيثة تستهوي نفوس الشباب..
ما وددت ايصاله هو إن ما يحدث اليوم على الصعيد الإعلامي بخصوص الفن عموماً الذي يتمتع الآن بالحرية المطلقة، بالذات الفن الكومدي والتركيز عليه والإهتمام به (ومن لا يحب ان يقتضب الفكاهة!) يعود السبب في ذلك كونه انفع واضمن طريقة يُراد بها غرس أفكار ومفاهيم خبيثة تنافي تشريعات الدين الاسلامي الحنيف وتضلل الموروث الاخلاقي والثقافي وتعمل على استبدال العادات المتعارفة والمتفق عليها بطريقة ذكية ومحببة لدى الكل، وهكذا من البديهي سيتم القبول والتقليد بصورة نزيقة ..! كما وطبقت لدينا هذه الحرية بصورة منفلتة ورخيصة مثلما تشاهدون..
إن اغلب ما يُقدم في الوقت الراهن هو خلط الواقع في اللاواقع وانحراف حاد عن المنطق والسلوك الحسن، واللهو واللعب بالالفاظ والافكار الجارفة للمتلقي نحو الانزلاق في قعر المؤامرة التي أُحيكت جيداً لتنال الرضا دون تَفكر!.
وضمن خليط من الهجاء والسخرية والعبث الغريب، اصبحت الفكاهة السوداء اداة جيدة تعمل على إدخال كل شيء مرفوض في عقول الافراد بطريقة سلسة تجعلهم يتقبلونها بل ويسئمون من إعتراض الضمير ويعمدون على رشوته وإسكاته بغية التجربة، وإن كانت فرضاً محرمة..!
من المفترض ان تتعارض الفكاهة السوداء مع الفكاهة المخلة بالآداب العامة، ويجب ان تخلوا من الكلمات البذيئة والافكار السيئة التي سيتعرف عليها اكبر عدد ممكن من الناس كي لا تؤثر فيهم، بيد إن الاعلام بطريقة الفكاهة اسلوب قوي في قيادة الآخرين والرأي العام الذي يجعلهم لا يرون إلا (مايريده هو..! ).
ومن هنا تعلو جدلية الفكاهة السوداء والخوف من اضرارها على المدى البعيد، اذ إن الخوف قد يمثل الوجه الآخر للضحك! مما جعل المنبوذ والمرفوض والغير مألوف، مُتقبل بسبب تمتعه بحس (النكتة والضحك الي موجود بالفكاهة السودة المصخمة) وهذا ما نحتاج إليه لنخفف عن انفسنا وطأة الألم من الشعور بالذل والهوان، وبالتكرار يتحول تدريجياً الى أمرٌ عادي جداً!..
فيا عزيزي المتلقي انتبه لكل شيء يقال وكل خبر او معلومة تصلك، تحقق قبل ان تقتنع وتتفق وربما تطبق، وكلما زاد وعيك ومعرفتك كلما استطعت ان تفهم اللعبة وتخرج منها رابحاً غير مغفل..
أما العاملين على تقديم اعمال الفكاهة السوداء، يجب عليهم الالتزام بمعيار الأدب الراقي في الفن كي لا تتحول الى (فكاهة زرقاء!) و ضرورة إحترام قضايا المجتمع والحرص على عدم تشويش الفكر الإسلامي وتخريبه، وإلا اصبح هذا النوع من الكوميديا فن هابط، يعرف بمستوى من الانحطاط والتدني الذي لا يرتقي بالفرد وقضايا الفن والمجتمع..
في الختام اود القول، قد اصبح الإعلام في بلادنا حراً بأيادٍ مسيسة! مما جعل الجميع في اغلب الاوقات تحت كل الظروف في حالة (تحشيش اون لاين!).
اضافةتعليق
التعليقات