منذ إنشاء الشبكة العنكبوتية وارتباط القارات ببعضها البعض تغير جذريا مفهوم التسلية عند الانسان، فبعدما كانت الأجيال السابقة ترى التسلية على أنها ممارسة للألعاب والرياضات الجسدية والفكرية ككرة القدم وقضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة... الخ، اتخذت التسلية اليوم وجها آخر، وجها لا يشبه الوجه الذي تعرفت عليه الأجيال السابقة، فقد باتت التسلية هي عنوان للألعاب الالكترونية والبرامج الساخرة والفيديوهات القصيرة... الخ.
ولكن لو ناقشنا ظاهر هذه المواد التي تصنع لتكون مادة ترفيهية سنجد الهدف الظاهري منها هو تسلية المشاهد، وفعلا نرى بأن المشاهد عندما يتابع البرنامج الفلاني الساخر أو يشاهد المقاطع القصيرة على التيك توك أو الإنستجرام أنه يسلي نفسه ويستمتع بوقته..
ولكن ما الهدف الباطني من هذه المواد التي يتم صناعتها بهدف التسلية؟، إذ إن هنالك برامج كثيرة سياسية أو دينية أو طبية تقدم بوجه فكاهي، ولأن عنصر الفكاهة يعتبر من العناصر المهمة في جذب المشاهد فقد نجد آلاف الناس تنشد في متابعة هكذا نوع من البرامج تحديدا.
ولكن مع بالغ الأسف هنالك أهداف أخرى تكمن خلف صناعة التسلية، فتغليف الأفكار السامة بغلاف الفكاهة سيكون أسهل على المشاهد في تقبلها من تقديمها بطريقة جافة وخامة.
فعلى سبيل المثال: التعليق بصورة فكاهية على طريقة طرح أحد رجال الدين على حكم من أحكام الطهارة والنجاسة. هذا ما يظنه المشاهد طبعا، ولكن الهدف الأساسي هو تضعيف شخصية رجال الدين في المجتمع أولا، وثانيا السخرية على الأحكام الشرعية التي وضعها الله تعالى لخدمة البشرية والاستهانة بها وغرس فكرة أن الدين سطحي لأنه يتطرق إلى هذه الأمور البسيطة بوجهة نظر المتلقي (فقط لأنها قدمت بطريقة ساخرة)، هدفا منهم في ضرب الدين.
وذلك بالإضافة إلى البرامج السياسية الساخرة التي تحاول تسقيط الشخصيات المهمة والتي يجدها العدو خطرا على المجتمع من خلال التعليق على مظهرهم أو أشكالهم أو الاستهزاء على الأمور الجانبية التي لا علاقة لها بالسياسة أصلا!
هذا بخصوص البرامج والفيديوهات القصيرة التي غزت السوشيال ميديا أما بالنسبة للألعاب الإلكترونية فوفقا لدراسات حديثة فإن مستخدم الإنترنت في بلدان الشرق الأوسط يقضي 10 ساعات على الشبكة أسبوعياً. وتتمثل أهم الاستخدامات في حجرات الحوارات الحية أو غرف الشات chat rooms))، أو ألعاب الإنترنت التي تماثل ألعاب الفيديو، أو نوادي النقاش أو المنتديات، أو عمليات البحث على الإنترنت… إلخ. وأصبح المواطن في هذه البلدان ينفق بسخاء في مجالات متعددة لاستخدامات الإنترنت بعد أن برز العديد من أساليب التسويق لتلك الاستخدامات بلغت معها علاقة المستخدم بالإنترنت درجة الرغبة التي لا تقاوم.
فقد عمدت بعض المؤسسات الكبرى في صناعة الترفيه والتسلية إلى طرح مجموعة من الألعاب عبر الإنترنت قد توفر للبعض وسيلة للهروب من الواقع أو البحث عن طريقة لتحقيق احتياجات نفسية يصعب تحقيقها في الواقع.
لقد أوجدت هذه الألعاب وما شابهها سلوكيات جديدة لدى مستهلكيها:
ففي السابق كان اللاعبون أمام خيارين لا ثالث لهما، اللعب منفردين ضد الذكاء الصناعي لجهاز الكمبيوتر، أو الذهاب إلى منزل أحد الأصدقاء والحصول على مكان على الأريكة واللعب مع أصدقائهم.
وإن العديد من طلاب المدارس المستخدمين للإنترنت اعترفوا بانخفاض مستوى درجاتهم وغيابهم عن حصصهم المقررة بالمدرسة، نتيجة استخدامهم المفرط لهذه الوسيلة مما يطرح تساؤلات حول القيمة التعليمية للإنترنت."[1]
إضافة إلى العزلة التي يعيشها مدمني الألعاب، فهنالك من يقضي ساعات طويلة متواصلة في حالة لعب مستمر دون الشعور بالملل أو التعب!
إذ إن هذا الإدمان له عواقب وخيمة على حياة الانسان بصورة عامة منها:
- الانعزال عن المجتمع.
- أمراض نفسية كالرهاب الاجتماعي والخوف من الظهور والاختلاط.
- القلق والتوتر الذي يعيشه خلال اللعبة والذي ينعكس سلبا على أعصابه، ناهيك عن مشاهد العنف التي تحويها اللعبة والتي لها تأُثير بالغ على سلام الانسان الداخلي.
- تضييع الوقت بدلا من استغلاله بأمور مفيدة ونافعة تطور الانسان وتحقق تطورا في علمه وشخصيته.
- تدني المستوى العلمي والأخلاقي بسبب الساعات التي يقضيها المستخدم على الإنترنت والتي تحده عن الدراسة والتعلم والشخصيات السيئة التي قد يخالطهم من خلال المشاركة معهم باللعب.
- سوء الحالة الصحية بسبب الجلوس لساعات طويلة على وضعية واحدة مما يسبب أضرارا كبيرة في الظهر وبالأخص العمود الفقري، أو سوء التغذية لأنه ينسى تناول الطعام لاندماجه الكبير في اللعبة وعدم شعوره بالجوع.
وكل هذا طبعا يعود بالنفع والفائدة الاقتصادية على صانعيها ومستثمريها، ولا تعود إلاّ بالتسلية المؤقتة أو السلبية (لو صح التعبير) وتضييع الوقت والتأثُير السلبي على صحة الإنسان النفسية والجسدية.
وللعودة إلى المفهوم الحقيقي للتسلية واستخدام الانترنت بالصورة الصحيحة هنالك نقاط مهمة يمكن اتباعها:
١- تهذيب المواقع المتوفرة على الانترنت، وانتقاء الصالح منها وحظر المواقع التي تقدم نموذجا سيئا للتسلية.
٢- مقاطعة البرامج التي تحاول تقديم الأفكار المغلفة ومحاولة تبيين أهدافها المسمومة للناس.
٣- تحديد ساعات معينة للأطفال للمشاركة بالألعاب الالكترونية المناسبة لأعمارهم وذلك بعد المراقبة التامة من قبل الأهل ودراسة سلوكياتهم وردود أفعالهم لضمان عدم تمكن اللعبة منهم، واستخدامها لمجرد التسلية والترفيه.
٤- توفير البدائل التي تحقق التسلية للأطفال للحد من توجههم إلى الانترنت، من خلال المشاركة معهم بالألعاب الفكرية أو الجسدية، أو التواصل المستمر مع الأقارب أو التنزه... الخ.
٥- تسقيط البرامج أو المقاطع التي تحاول مس الأهداف والقيم السامية في المجتمع بطريقة ساخرة، وتوضيح المفاهيم الحقيقية التي تحاول ضربها وشرح ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي بالتفصيل، والسعي الكامل في حظر البرنامج أو شن حملات اغلاق على صفحات التي تحاول دس هذه الأفكار في مقاطعها المنشورة.
اضافةتعليق
التعليقات