هناك فرق بين الايمان والعمل في السرّاء وبين ممارسة ذات الاعتقاد أو تطبيقه في الضرّاء.. وهذا التمايز يظهر جليّا عندما يواجه الانسان مصيبة ما أو أزمة وعندها حقاً تتجلى قوة المؤمن وبالمقابل ضعف ايمان الاخر.
وهنا قد يسأل سائل: لما يضعنا الله أمام هذه الابتلاءات؟
أول مايتبادر إلى أذهاننا هو أن الله يريد أن يختبر ايماننا، وهل نثبت أمام تلك الامتحانات؟
هذا صحيح، ولكن هناك ألطاف إلهية أخرى، قبل أن نذكرها، لماذا قلنا ألطاف؟ ومتى كان الموت والمرض والغربة لطفا وهو يحوي كل ذلك الألم؟
هو لطف، لأن الله يريدنا أن نتكامل وترتفع درجاتنا، وهل يلان الحديد إلا بالنار؟
بالعودة إلى السبب الآخر، يريد الله منا في خضم تعرضنا للأزمات أن نصل لحالة تسمى: بالالتجاء والاضطرار.
عندما نصل لهذه الحالة وهي حالة يشعر الانسان فيها بأنه بلا حول ولا قوة فسوف يحس بالضعف وبأنه ليس في يده أي حيلة، وبالتالي سيلتجئ إلى الله ويدعوه لكشف ضره، والله يقول "أمن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء".
إذن، يريد الله من عبده أن يدعوه وأن يتجه إلى الأبواب التي أمره بأن يتخذها وسيلة له، والدعاء له قيمة كبيرة جداً عند الله.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، الانسان لن يطلب الماء بلهفة إن لم يشعر بالعطش الشديد، لأنه يعرف يقينا أن بغيابه سيكون على مشارف الهلاك.
وهذه نقطة مهمة، مع أن الله عزوجل كل يوم يرينا هذه الحقيقة، ويوصلنا لهذه النتيجة عن طريق الكثير من المواقف التي تمر حولنا وتقول لنا: أنتم بحاجة إلى شيء ما.. طوق نجاة.. فاسعوا إليه.. اتجهوا إلى الله واسألوه، لكن يبدو أن البعض لا توقظهم إلا الصفعات القوية.
وصلنا لحال لم نلتفت فيه إلى كل تلك الاشارات حتى هجمت علينا جائحة كورونا، ولو كنا نراقب ونتأمل حياتنا قبل هذا الفايروس لما كان الأمر يفرق كثيراً عن أيامنا قبله، لكننا مصابين للأسف بداء اسمه الغفلة!.
على كل حال، ودوام الحال من المحال، هاهو العالم بأجمعه يمر بهذه الأزمة، وقد عرف حتى الكافر أنه أمام امتحان يختبر فيه صلابته النفسية قبل الجسدية.
ولكن هل الجميع وصل لحالة "المضطَر"؟، وإن وصل كما يظن، هل عرف حقاً وظيفته في هذه الحالة؟
الكثير التجأ إلى الله أو السماء كما يحلو له أن يسمي تلك القوة الغيبية، لكن ماذا أرادوا حقاً وماذا طلبوا؟.
الأغلب أراد التخلص من هذا الوباء، أو الوصول للقاح يشفيه أو يقيه من الاصابة به.
لم يفكروا في المدى الأبعد والغاية الأسمى، ثم ماذا بعد ذلك، الأمراض والأزمات والحروب سوف تستمر بطبيعة الحال، فالظلم وأهله لا يزالون، والأنظمة الفاسدة تتكاثر، والقيم تضمحل والأخلاق تتشوه مع الزمن.
نحن في هذا الوضع، كمن يشعر بالعطش ويقال له امضِ إلى الأمام وهناك نبعُ عذبٌ وصاف، وهو يكتفي بكأسٍ من ماءٍ آسن ناوله إياه أحدهم بالطريق فعاد أدراجه وترك المعين الموجود آخر المطاف. ثم إن وصل إلى ذلك النبع بعض رفقائه، فلن يملك الحق في الاعتراض.
وهكذا نحن مع هذه الأزمة، الله يضع في طريقنا الكثير من المحن ونحن نستطيع من خلالها أن نتقرب ونرتبط بالامام الغائب لأننا نشعر بالحاجة إليه ولقدومه، فنكثر ونلح بالدعاء لفرجه والذي هو فرجنا، لكننا نقنع ونرضى بحالة دون ذلك وهي التخلص من هذا الوضع تحديدا وأن نرجع إلى حياتنا الطبيعية.
بالتأكيد كلنا يريد أن يعود هو وأهله ووطنه آمنا ويرجع إلى أرزاقه ومشاريعه وأهدافه التي توقفت، ولكن ياللعجب من ذا الذي لا يريد أن يعيش في دولة لا مرض فيها ولا حرب ولا خوف ولا ألم!.
يبدو أن البعض لا يريد ذلك أو لا يعرف بذلك، فيكتفي بالنزر القليل والدرجة القليلة، ولذلك فهو لم يصل ولا يريد أن يصل لحالة ذوو البصيرة، وهم الذين يبكون ويتضرعون ويتوسلون وينسون كل ماكانوا يريدون من حاجات، ويكتفون بحاجة واحدة فقط وهي تعجيل ظهور المنقذ الموعود في آخر الزمان والذي يأتي لينقذنا من هذا الفيروس ومن كل الشرور الأكبر منه.
إن شاء الله ستنتهي هذه الأزمة قريباً والتي كانت غربالاً حقيقياً لمن يريد حقاً اللحاق بقافلة بقية الله في الكون ممن لا يريد في هذه الدنيا إلا ذاته ومصلحته.
الخاسر والرابح في هذه الأزمة ليس من أصيب بالفايروس أو مات هو أو أحد أحبائه، الرابح هو من قرّبه هذا المخلوق إلى الخالق وإلى حجّته على أرضه.
اضافةتعليق
التعليقات