فرض تفشي جائحة فيروس كورونا حجرا منزليا في أغلب دول العالم وكثير من البلدان العربية، وتسنى لأفراد كثير من الأسر قضاء وقت أطول مع عائلاتهم حتى أثناء العمل!.
لكن هذا الوضع الجديد شكل ضغطا نفسيا كبيرا على أغلب الأطفال الذين لا يستوعب كثير منهم ما يحدث. ووجد الآباء والأمهات أنفسهم أمام تحديات جديدة أهمها مساعدة الأطفال على التأقلم مع نمط الحياة الجديد.
تحدثت مدونة بي بي سي ترند إلى مستشار الصحة النفسية "محمد الناصر النصيري"، الذي يملك خبرة في التعامل مع المتأثرين بأزمات كبرى كوباء "إيبولا"، ومنهم أطفال، من خلال عمله مع منظمات دولية مثل "أطباء بلا حدود". وسألناه عن أبرز التحديات النفسية التي تواجه الأطفال في هذه الظروف.
قال "النصيري" إن الأطفال يدركون بحسهم الفطري أن تغييرا هاما يقع في حياتهم لكن أغلبهم، حسب سنهم، غير قادرين على تحليل الواقع وفهم ما يجري فيتجهون مباشرة للعناد والتمرد وطرح الأسئلة.
انقطع الأطفال فجأة عن مدارسهم وأصحابهم وأغلب مظاهر الحياة خارج البيت، ويقول "محمد الناصر" إن هذا الإحساس بالحرمان يولد حالة من التوتر لدى الطفل، كما هي لدى الكبار، ويمثل شكلا من أشكال العنف المسلط على الطفل إذا ما لم يصحبه تفسير واضح يحترم قدرات الطفل ومداركه.
"فالطفل قادر على استيعاب الأجوبة و التفسيرات حول ظاهرة الوباء ووسائل الحماية منه ويكون في الغالب قادرا على التعايش مع واقع الحظر الصحي عبر التماهي مع سلوك الوالدين".
كيف نتعامل مع الأطفال في هذا الظرف؟
وضع الظرف الراهن الناتج عن تفشي وباء كورونا الوالدين أمام تحديات كثيرة منها شغل وقت أطفالهم وملئ الفراغ الذي تركته مدرستهم وأصحابهم بالإضافة إلى الحفاظ على النمو الحسي والتوازن النفسي للأطفال خاصة أولئك الذين يعانون صعوبات كالمصابين باضطرابات طيف التوحد.
أمدنا مستشار الصحة النفسية "محمد الناصر النصيري" ببعض النصائح للتعامل السليم مع الأطفال في هذه المرحلة:
على العائلة الاستماع للأطفال وإفساح المجال لـ"الحوار النشط" معهم وأخذ تساؤلاتهم على محمل الجد والإجابة عليها بشكل مفهوم يحترم قدراتهم.
إشراك الطفل في القرارات وتحميله مسؤولية حماية عائلته ونفسه من المرض مما يعزز شعوره بالمسؤولية والانتماء للمجموعة.
تطوير بعض قدرات الأطفال باللعب والأنشطة الرياضية والترفيهية ومشاركتهم هذه الأنشطة.
استغلال هذه الفترة لتمضية وقت أكثر مع الأطفال وإشباعهم بالعواطف والحب لتعويض الحرمان الذي تفرضه ظروف حياتنا العادية قبل الحجر وإصلاح الضرر الواقع في العلاقات العائلية.
عدم إغراق الطفل بالمسؤوليات والأهداف الصعبة في هذه الظروف، لأن الهدف الأساسي هو تجاوز هذه الأزمة سليما نفسيا وجسديا.
تبذل عائلات كثيرة جهدا عظيما لتجاوز هذه المرحلة بأخف الأضرار والحفاظ على السلامة النفسية والجسدية لأفرادها، إلا أن كثيرا من الأطفال أيضا يعيشون في مناخ عائلي يكونون فيه عرضة للعنف بمختلف أشكاله، فيكون ضرر الحجر المنزلي مضاعفا عليهم وكذلك حجم الضغط النفسي الذي يتعرضون له.
العلاقات الأسرية "قبل"و"بعد" تفشي الجائحة
منذ دخلت شبكة الإنترنت بيوتا كثيرة في المنطقة العربية والناس تشكو انشغال أفراد العائلة عن بعضهم، خاصة المراهقين والأصغر سنا الذين يقضون أغلب يومهم أمام شاشات الكمبيوتر أو الأجهزة الإلكترونية!.
بيوت أخرى كانت مشكلتها العمل لساعات طويلة خارج البيت، الذي يغادرونه مسرعين صباحا ليعودوا منهكين مساء.
وفي الحالتين لا وقت لحوار عائلي يومي مطول أو تحلق حول طاولة عليها بعض الألعاب الجماعية، أو مشاهدة فيلم أو حتى الاستمتاع بالوجبات اليومية معا.
وكلما زادت مشاغل أفراد العائلة زادت الفجوة الاجتماعية بينهم، إلى أن يصبحوا في حالات قصوى أغرابا، لا يعرفون بعضهم بقدر معرفة أصدقائهم أو زملائهم في العمل.
ومن هذا نشتكي كلما اجتمعنا في عطلة أو مناسبة! لكننا نعود لنتباعد ونتوه في دوامة الروتين الحياتي اليومي.
لكن تفشي جائحة فيروس كورونا، وما استتبعه من حجر منزلي، فرض واقعا جديدا أتاح لكثيرين قضاء وقت أطول مع العائلة.
فما الفرق الذي أحدثه هذا الوضع في علاقاتنا الأسرية؟
طرحنا هذا السؤال على متابعي صفحات بي بي سي عربي على فيسبوك وتويتر، فجاءت الأجوبة متنوعة ننقل أبرزها.
"أصبحنا نعيش داخل العوالم الافتراضية"
كيف أثّر الحجر الصحي المنزلي على علاقاتكم بأفراد عائلاتكم؟ هل أصبحتم أكثر قربا من بعضكم أم أن العكس هو ما حدث؟ هل اكتشفتم طباعا في بعض أفراد العائلة لم تعرفوها من قبل؟! شاركونا تجاربكم.
بعض متابعينا وجدوا في الصورة التي صحبت سؤالنا انعكاسا للمشهد داخل بيوتهم: كل فرد من العائلة منغمس في هاتفه الجوال أو لوحه الإلكتروني.
ويبدو أن هذا كان حال عائلات كثيرة، تجمع أفرادها داخل المنزل لكن كل في عالمه الخاص.
بعضهم يعمل والآخر منطلق في رحلة بحث عن فيروس كورونا ونشأته واحتمالات علاجه وعدد الإصابات والوفيات وغيرها.
بعض أفراد العائلة قد يجد في بقائه بالبيت فرصة نادرة يستغلها في مشاهدة الأفلام والأعمال الدرامية التي فاتته!.
ومع انقطاعنا المطول عن العالم الخارجي، أضحى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أقوى ما يربطنا بالخارج.
فكلما طال الحجر، زاد الدافع النفسي للتواصل مع المحيط الخارجي قوة!.
"عرفنا قيمة العائلة"
كان هذا جواب الأغلبية من متابعي بي بي سي على سؤالنا.
اكتشف كثيرون أنهم يشتاقون فعلا للعائلة، ويريدون الاستمتاع بمشاركتهم أكبر قدر ممكن من الأنشطة اليومية.
بل إن رجالا لم يسبق لهم دخول المطبخ إلا للأكل، أصبحوا يطبخون ويغسلون ويشاركون في أعمال منزلية كثيرة.
بعضهم يستمتع بذلك لدرجة مشاركة الصور مع أصدقائه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
"زادت المشاكل وتعمقت الهوة"
صورة العائلة السعيدة التي يستمتع أفرادها بقضاء الوقت معا، على جمالها، ليست الصورة السائدة خلال الحجر أو قبله.
في بعض العائلات، آباء عنيفون وأمهات عنيفات، خاصة مع الأطفال.
وفي عائلات أخرى، أولياء أمر يعانون إدمان الكحول، ويضعهم شحها وافتقادها في حالة نفسية تولد غضبا وعنفا يُصب جامه على باقي أفراد الأسرة.
وقد رصدت جمعيات ومنظمات، تعنى بمقاومة العنف الأسري، زيادة كبيرة في الحالات منذ بدء الحجر.
في بعض البيوت، أجبر المعيل على الانقطاع عن العمل، وافتقد مصدر دخله الوحيد فعاد الأمر وبالا على باقي العائلة.
وفي حالات أقل قسوة، فرض الحجر المنزلي على أفراد أسر التعايش مع طباع بعضهم وعاداتهم المزعجة، فيضيف ذلك إلى الضغط النفسي الذي يعيشه الناس بسبب الوباء، فتشتعل الخصومات لأتفه الأسباب. حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات