تعتبر جريمة الرشوة من أخطر الجرائم، ذلك أنها من جرائم الفساد التي تصيب وظائف الدولة المختلفة وتؤدي إلى آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة بما يقلل قيمة الدولة ويضعف مصداقيتها أمام المواطن وأمام العالم الخارجي لذلك نرى أن جميع الأديان السماوية والقوانين الوضعية قضت بتحريمها وتجريمها.
الرشوة هي آفة قديمة حديثة يكاد لا يخلو أيّ مجتمع منها، وهي نوع من أنواع الفساد، وهي قيام شخصٌ بدفع مبلغٍ من المال لموظفٍ ما من أجل الحصول على حقّ ليس له، أو بهدف التهرّب من واجب عليه القيام به، فهي طريقة غير مشروعة لكسب المال باستغلال المنصب أو المركز أو المكانة الاجتماعيّة. وإنها ما يعطى لإبطال حق، أو لإحقاق حق، أو لإحقاق باطل.
لم يضع المشرع العراقي تعريفا خاصا لجريمة الرشوة وإنما تناول ذلك في قانون العقوبات النافذ في نص المادة 307 التي جاء فيها (كل موظف أو مكلف بخدمة عامة طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أو وعد بشيء من ذلك لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الاخلال بواجبات الوظيفة يعاقب بالسجن..).
أركان الرشوة
الرّاشي: هو الذي يبذل المال أو المنفعة لمن يحقق له مصلحة، أو يعينه على باطل.
والمرتشي: هو الشخص المستفيد من غيره مالا أو منفعة لإيصال حقّ يجب عليه أداؤه إلى الراشي، أو أن يقوم له بمصلحة غير مشروعة.
والرّائش (أو الواسطة): الذي يسعى بينهما ليحقق مصلحة الطرفين.
أولًا: ضعف الشعور الديني لدى الراشي والمرتشي:
إن الذي يُقبِل على هذه الجريمة لو فكر لحظة واحدة أنه مسلم قد رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبسيدنا محمد نبيًّا، لَمَا أخذ الرِّشوة.
ثانيًا: انخفاض مستوى المعيشة:
إذا رأى الشخص المنحرف نفسه في وظيفة ذات دخلٍ صغير وأمامه أناس لهم دخلٌ كبير، أو رأى أصحاب المشاريع المختلفة كل يوم، ثم قارن حياتهم المترفة بحياته ف سوَّلت له نفسه أن يرتكب جريمة الرِّشوة؛ ليعوض هذا النقص المادي الذي عنده، مع أنه شيء طبيعي أن يكون الناس بين فقير أو غني أو متوسط، ولكن هذا الشخص المنحرف أقنع نفسه بأن الرِّشوة خير وسيلة للثراء السريع، فيشتري سيارة فاخرة، أو يبني منزلًا، أو يتزوج من بنات الأثرياء، ولكن هذا المسكين ينسى أن الكسب الحرام مهما طال عمره فهو ممحوق البركة، وإلى زوال، وهو من أهم أسباب غضب الله عليه في الدنيا والآخرة.
ثالثًا: الجشع والأنانية وضعف الشعور الاجتماعي:
إن المرتشي أناني، ومحب لنفسه فقط، وليس لديه أي انتماء إلى مجتمعه الذي يعيش فيه؛ ولذا يقبل الرِّشوة دون أن يفكر في مصير إخوانه الذين يعيشون ويتعاملون معه صباح مساء، ويعلم أن هذه الأموال التي أخذها بغير حق كانت سببًا في ضياع أموال الدولة، وهضم حقوق كثير من الناس.
رابعاً: قلة التوكل على الله، وكذلك انعدام الثقة في رزقه سبحانه وتعالى. انخفاض المستوى المعيشي لدى بعض الأشخاص وخصوصاً الموظفين الذي يعملون في المؤسسات الحكومية، الطمع والجشع وحبّ الثراء السريع.
خامسا: ضعف السلطة السياسيّة. انعدام الشفافية والمسائلة في العديد من المؤسسات، وكذلك منع حرية التعبير عن الرأي التي بدورها تقوم بفضح المرتشي والراشي على حدٍ سواء.
سادساً: الضعف الإداري، ويتمثل ذلك في ضعف الشخص الذي يشغل منصب المدير في أي مؤسسة، ففي حال فسدت الإدارة يفسد ما حولها.
سابعاً: ضعف الوعي لدى أفراد المجتمع وسكوتهم عن هذا الأمر بدل محاربته، بالإضافة إلى تدني المستوى التعليمي لأفراد المجتمع. الانسياق وراء الانتماءات المختلفة كالعشائرية والقبلية وعلاقات القرابة. حالة الدولة وما تمرّ به من أزمات سياسيّة واقتصاديّة.
طرق معالجة الرشوة
_تحقيق مبدأ العدالة والديمقراطية وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع.
_إصدار قرارات بمنع التعامل بالرشوة وأيّ شكل من أشكالها. وإنزال أقصى العقوبات في من يثبت عليه التعامل بها.
_وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
_الرقابة الفعّالة والمستمرة على الموظفين.
_حرية الصحافة والتعبير عن الرأي لما لها من دور في كشف الراشي والمرتشي وفضحهم.
_تحقيق مبدأ استقلالية القضاء، وتوفير البيئة المناسبة للقاضي ليحكم بالعدل بعيداً عن التحيّز لأيّ جهة.
_إيجاد هيئة مستقلة مختصّة بالكشف عن الرشوة في المؤسّسات الحكومية وكذلك الخاصّة.
_اختيار أفراد الوظائف العليا بناءً على أخلاقهم الحسنة وحسن سيرهم وسلوكهم.
_تحسين الوضع الاقتصادي وظروف المعيشة للموظفين، تطوير الأنظمة الاقتصاديّة ودعم المشاريع والأفكار الجديدة بهدف تحسين مستوى حياة الأفراد بشكلٍ عام.
_توعية أفراد المجتمع بالآثار السلبيّة والمدمّرة للرشوة.
_العمل على نشر الوعي الدينيّ بين أبناء المجتمع الواحد؛ حيث إنَّ تعليم الناس أحكام الدين، وترسيخ الإيمان بالله، وضمان أنَّ الرزق بيد الله الذي قسّم الأرزاق بين عباده، وهذا من شأنه أنْ يقود إلى التخلّص من الرشوة.
_توعية أبناء المجتمع بأضرار الرشوة عبر وسائل الإعلام المختلفة، سواء أكانت المرئيّة، أو السمعيّة، أو المقروءة، وكذلك التوعية في المساجد، والمدارس، والجامعات، حيث تلعب هذه الوسائل دوراً مميّزاً في التحذير من عقوبة الرشوة، وخاصّة عندما تعرض وسائل الإعلام ما يترتب على الرشوة من تدمير للمجتمعات.
_وأيضا يجب على خطباء المنابر أن يقومون بإلقاء محاضرة بخصوص هذه الظاهرة للحث على القضاء عليها.
موقف القانون
ولا تتم الرشوة إلا بحصول العرض من أحدهما والقبول من الآخر لذا فتحقق جريمة الرشوة لا بد من تحقق هاتين الجريمتين وقد اتفق أحدهما عند الشروع وتنعدم الأخرى. فإن المشرع اعتبر الشروع في جريمة المرتشي جريمة تامة عاقب عليها نفس عقوبة الجريمة التامة. وإن عقاب الراشي إذا لم يقبل الموظف المرتشي ما عرضه الراشي بعقوبة أخف من عقوبة الجريمة التامة إلا إنه مع ذلك اعتبرها جريمة تامة.
(307 جريمة المرتشي)
كل موظف أو مكلف بحذفه عامة طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أو وعداً بشيء من ذلك لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الاخلال بواجبات الوظيفة يعاقب بالحبس والغرامة على أن لا تقل عما طالب أو اعطي أو وعد به ولا تزيد بأي حال من الأحوال عن 500 دينار. وتكون العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على 7 سنوات أو بالحبس إذا حصل اعلاه بعد أداء العمل أو الامتناع عنه أو بعد الاخلال بواجبات الوظيفة بقصد المكافأة.
فرفقا يا موظف، لأنكم أبناء وطن واحد وأخوة فيما بينكم فاتقوا الله بأخوكم المواطن وتعاونوا معه كما في قوله تعالى سبحانه: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ".
لأنه هناك مواطن لم يمتلك المال لسد قوته اليومي فكيف له القدرة على دفع مبلغ مالي باهض لك لكي تسير معاملته التي من واجبك الوظيفي المهني تسييرها، أين الضمير بذلك، أين مخافة الله تعالى، أين اقتدائكم برسول صلى الله عليه وآله وسلم، أين اقتدائكم بأهل البيت عليهم السلام؟!.
وأيضا الرشوة لا تتوقف فقط على أخذها من المواطن فما ذنب الخريج الذي يدرس ويخسر ١٦ سنة وينتظر فرحة التخرج لكي يحصد هذا التعب خلال هذه السنين ويأتي إلى الصدمة الكبرى حيث لم تتوفر له وظيفة في وطنه إذا لم يقم بدفع الملايين من الدولارات لكي يحصل على وظيفة، إلى أي حد أصبح العراق بلاد الرشوة وأصبحت الرشوة آفة تأكل المجتمع العراقي، وأصبحت بلاد الخراب القائم والإثم الدائم.
حينما يغيب الضّمير والوازع الدّيني تنتشر في المجتمعات ظواهر وسلوكيّات غير أخلاقيّة كثيرة منها الرّشوة، فالرّشوة هي شكل من أشكال الفساد المالي، وفساد الذّمم التي تعاني منها المجتمعات المختلفة ومنها المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، حيث تشهد أروقة المحاكم سنوياً آلاف القضايا المرفوعة من قبل أشخاص تضرّروا بفعل هذا السّلوك المجرّم شرعاً وأخلاقاً.
الرشوة محرمة، والواجب الحذر منها، وأكد ذلك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه الشريف: ((لعن الله الراشي والمرتشي))، صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
اضافةتعليق
التعليقات