علم الاجتماع الرقمي هو فرع من فروع علم الاجتماع يركز على فهم استخدام الوسائط الرقمية كجزء من الحياة اليومية وكيف تساهم هذه التقنيات المختلفة في أنماط السلوك البشري والعلاقات الاجتماعية ومفاهيم الذات وهو أحد الفروع الجديدة في علم الاجتماع التي تعد تحدياً في التعامل مع الأساليب الرقمية والممارسات المعلوماتية والاستخدام المجتمعي للبيانات وكان ذلك محوراً لبحوث العلوم المعلوماتية لعدة عقود ومع تجدد الإهتمام بذلك الموضوع من قبل علماء الاجتماع يخلق فرصاً وتحديات لباحثي المعلومات الذين يقومون بدمج الأساليب والمناهج النظرية في عملهم ..
كذلك يهتم بتوضيح وتحليل كيفية جعل البيانات الرقمية مولدة ومنتجة لمعرفة جوهر المشكلات الاجتماعية المعاصرة إعتماداً على العديد من الأساليب والمناهج الرقمية والبحوث الفلسفية والسوسيولوجية ويتيح فرصة للتحليل النقدي للبحوث الاجتماعية على نظاق واسع ..
وقد ناقش نادي أصدقاء الكتاب في هذا الشهر كتاب (علم الاجتماع الرقمي منظورات نقدية الذي حرره كل من كيت أورتون - جونسون ونيك بريوز) والذي ترجمه هاني خميس وأحمد عبده وقد تم طباعته في دار (عالم المعرفة) من ضمن سلسة الكتب الثقافيه الشهرية التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت .
وهذا الكتاب يهدف إلى دراسة وتحليل التكنولوجيات الرقمية الجديدة في أطار سوسيولوجي من خلال تعزيز النقاش حول ملامح العلاقات الاجتماعية والمؤسسات والبنى في عصر المعلومات بالاضافة إلى تقديم تمهيد شامل للتحولات التكنولوجية وتأثيراتها في المجتمعات الإنسانية والتعرف على دور التكنولوجيا الرقمية في إعادة تشكيل الأدوات والمفاهيم داخل علم الاجتماع.
ضمُ الكتاب مقدمة إجمالية مهمة تشرح هيكلية الكتاب يعقبها خمسة عشر فصلاً تنتهي ببيبلوغرافيا كثيفة وشاملة لكل جوانب الموضوعات المبحوثة في الكتاب ..
تكشفُ لنا مقدمة الكتاب أن الانتشار المتزايد للتقنيات الرقمية في الحياة اليومية أدى إلى تأجيج الجدل الأكاديمي حول العلاقات والبنى الاجتماعية في ما سُمي بـ« عصر المعلومات» وقد نشأ عن هذه الجدالات مجال بحثي في إطار العلوم « البينية interdisciplinary » المشتبكة والعابرة للتخصصات المنفردة ..
وعُنِي هذا المجال المستجد بالتعقيدات والتناقضات المتعلقة بالتحولات التي يُعْتَقَدُ أن تقنيات الاتصال والمعلومات تُحدِثُها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويؤكد المؤلفان على مظاهر الجدة في هذا الحقل المعرفي عندما يصرحان في المقدمة بأن «علم الاجتماع وخيالنا السوسيولوجي يواجهان مشاهد رقمية جديدة بدءً من الذوات الإلكترونية (أي بمعنى الهوية الرقمية الموصوفة بالحساب الإلكتروني) إلى مجتمعات الإنترنت ومن حرب الإعلام إلى اللامساواة الشبكية ومن الثقافة إلى البنية الاجتماعية ».
يتمايز علم الاجتماع الرقمي عن نظيره الكلاسيكي (علم الاجتماع ما قبل الرقمي) في تفاصيل عديدة غير أن الميزتين الأكثر أهمية من سواهما هي أن علم الاجتماع الرقمي لا يمكن أن يُدرس بمعزل عن علم اجتماع التقنية وتقنيات المجال الاجتماعي كما أن علم الاجتماع الرقمي يُدرَسُ في بيئة مجتمع التواصل الشبكي Networked Society وليس من الممكن أو المتاح تشريح فردانية الكائن البشري بمعزل عن هذه الخصيصة التواصلية الشبكي ..
وقد شارك في هذا الكتاب مجموعة من الباحثين من خلال دراسة علم اجتماع التكنولوجيا باعتباره أحد أفرع علم الاجتماع الدي يتناول الجوانب الاجتماعية للتكنولوجيا ويطرح عدة تساؤلات يحاول الباحثون الإجابة عنها ومن أبرزها : هل المفاهيم السوسيولوجية السائدة تظل مناسبة للغرض ؟
أو هل يمكن أن يكون هناك إدراك يتسع للتطبيقات الجديدة والسياق الاجتماعي المتغير؟
كيف يمكن لعلم الاجتماع إعادة تقييم أفكاره الأساسية من خلال مدخل للعلوم البينية المتداخلة؟
وإلى أي حد يكون الخيال السوسيولوجي أساساً كافياً يصلح للبحوث في العوالم الرقمية عبر تجاوز الحدود المعرفية؟ وإذا كانت المعرفة مطلوبة فأي نوع من المعارف المستعارة والتوافقات والتعارضات نتوقعها أو حتى نشجعها ؟
قد يرى البعض في كتاب «علم الاجتماع الرقمي: منظورات نقدية» لمسة من نخبوية أكاديمية بعيدة عن اهتمامات الفرد العادي المهتم بإدامة متطلبات حياته اليومية لكن هذه محض رؤية قاصرة ..
نحن نعيشُ اليوم في عالم يشهد تغيرات ثورية تفرضُ إيقاعها المتسارع علينا شئنا أم لم نشأ وباتت الحدود الفاصلة بين الاهتمامات الأكاديمية النخبوية وتلك العامة تتضاءل يوماً بعد آخر وليس من سبيل سوى التحصل على معرفة جادة ورصينة بالجبهات المتقدمة لهذه الاهتمامات الجديدة ومن ثم توظيفها في الارتقاء بحياتنا. هذا هو ما يفعله نظراؤنا البشر في هذا العالم ..
وجدير بالذكر أن نادي أصدقاء الكتاب أسسته جمعية المودة والازدهار لتنمية النسوية والذي يهدف إلى تشجيع القراءة والمطالعة عبر غرس حب الكتاب وفائدته في المجتمع ..
اضافةتعليق
التعليقات