هل يمكن تصور أن تكتب الحيوانات رواية عن البشر على عكس المألوف؟
ربما سيبدأ كل شيء ببساطة ويبدأ القط كتابته (بخرابيش) غير مفهومة ثم تتدرج لتصبح أكثر وضوحا ويخبرنا أننا متوحشون منذ الصغر وفقط كنا نحتاج هذا التشجيع البسيط لنصبح بشر أو شر..
يبدأ القط ذاكرا: كان يا ماكان، كان هناك شبه إنسان يسير بمحاذاة الحائط ويضع صغاره بعيدا عن العيان ثم من بعيد أتى قط غاضب متهور يدعى فلان، رما حجرا فأصابت رأس ابن هذا الانسان ثم توالت الحجارة وأصبحت أكبر فأكبر، وبكل بساطة ضحك هذا القط بسخرية مع رفاقه وكأنه عمل عملا بطوليا يجب أن يذاع صيته، ثم أتى شبيه الإنسان فوجد ماتبقى من صغاره ماهو إلا دماء وعظام وصوت مبحوح يصرخ: أمي هذا القط المتوحش ضربني ويدعي أنني حيوان، أنزل شبيه الإنسان رأسه وقبّل صغيره ثم صرخ من قلب يشتكي ربه: أنا حيوان أم هو ياالله..
ثم قفز الكلب ودوّن في الورقة المقابلة للقط، كان ودام وضع عجز عنه الحكام، كلاب تضرب كل انسان مار بحجة أنه متوحش ويخافونه وكل من أخطأ نعتوه بأبن الانسان، أيها الإنسان وكأنه لفظ سيء وضع للحاجة والسهولة.
وحضر الحمار مطالبا بورقة أخرى.. كان ودام ولا أعلم إن سيدوم حمار يقود إنسان منذ الفجر يجمع عليه كل شيء دون تحديد وإن كان مضرا، زجاج أم أشياء جارحة أو أقبح رائحة ويضربه في كل خطوة ويخبره أنه إنسان صبور يتحمل ثم إنه ينعته: أيها الإنسان إن لم يفهم أحدهم وكأنه كتلة غباء منتشرة ويركب ظهره ويقسو في أسره ولايأبه إن جرحه.. يا لقساوة هذا الحيوان،
ثم يمر المجلد على ما تبقى وكل يشرح قضيته مع ذلك الانسان المظلوم.
حاكم جائر، هو لفظ كاف بدل أن نقول كلب فالكلب أكثر وفاءً وفطنة منه. وزير غبي أخذ بالدولة نحو التهلكة عبارة كافية بدل أن نقول عنه حمار والحقيقة أن الحمار يفوق ذكاءه بعدة أميال.
وتستمر الألقاب ولكن للمعلومة كل منهم لو دعوناه باسمه هذا كاف ليدينه وينزل من مستواه بدل أن ننعته بمن لا طاقة ولاقوة لهم للدفاع عن أنفسهم، بل هم أوفى وألطف من هؤلاء المجرمين الذين يدعون الصلاح ويوزعون المؤونة بأسعارها ويقطعون زاد الفقير لإطعام فقير بتصوير، ويدّعون العلم والدين وهم أبعد خلق الله عنه، أيها السجان فينا عربِد وارغ وزد من الوقاحة وشد على أيدينا القيد بكل قساوة فنحن شعب أغلبه يستحق، نحن نقوى على ماهو دوننا ونخشى كل من فوقنا رغم ضعفه وكثرتنا.
نحن شعب أغلبنا نهاب أنفسنا، نعم أيها السجان تاجِر بنا وارمنا في أحضان البحر وقعر المحيطات وعمق الحفر، فنحن أغلبنا نهاب صعود الجبال واِعرضنا سلعة مزجاة في مزادات السوء والخوف والفساد وزِد من جرعات الدم، فنحن شعب أغلبه يستحق ولايفقه أغلبه سوى التسلط على النساء أو على الكائنات الضعيفة بدل أن يظهر قوته في تحرير نفسه من شباك الظلم وقيود الأوغاد، فمحطات ومحطات مرت علينا ولم نمر عبرها، ضللنا الطريق وبقينا واقفين ندعي المثالية والحقيقة أننا جبناء والضباع تنهش فينا بحجج هاوية وكرامة مهدورة وحرية مغتصبة مضمونا وظاهرها متاحة.
نحن شعب أغلبنا ارتضينا قص أجنحتنا ورضينا بالقلة التالفة قائلين لاطاقة لنا على المواجهة، ارتضينا بقوت قليل لايوصلنا لنهاية شهر عقيم مدعين أنهم وفروا لنا وظائف ونحن نعيش برغد تام بينما هم لايرتضون سوى الدولار ولاقيمة لنقودنا عندهم، ونصبوا لنا المقاصل والمحارق والمشانق لمن ينبس بحرف يعترضهم.
وتستمر خيبات الأجيال ولا أعلم ما سيقوله الجيل القادم أو هل هو أتعس أم أفضل، هل يقود أم يقاد، هذه كل تساؤلاتي، وهل ستنتهي نكبات أمة تقارع وتصارع من أجل إثبات الذات أم أن النهاية تكمن في حرق كل تلك المحطات!، لكننا مازلنا ضعفاء في كل مرة نعتقد بأننا تجاوزنا كل شيء ولكن تعود الأمور وتصبح أكثر تعقيدا، بكل بساطة لايمكننا تحشيد الحقيقة في عقول من أسفلت وارتضت الظلم والسير بجانب الحائط لكن يمكننا تطعيم أبناءنا الانسانية والكرامة والحرية..
قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، فقط لنقول الحمد الله إنه يعفو عن كثير وإلا لكنا نسيا منسيا مما اقترفت أيدينا.
اضافةتعليق
التعليقات